الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منازل أهل الجنة أعلى من منزلة من دخل النار وخرج منها

السؤال

منذ فترة يشغلني التفكير في موضوع، أنه لا يوجد موحد بالله سبحانه وتعالى سيخلد في النار، وما يشغل تفكيري هو: أن كثيرا من المسلمين، مؤمنون بوحدانية الله عز وجل، ولكن يقومون بالذنوب، ويمتعون أنفسهم بالحرام كله، ويتهاونون برؤية الله عز وجل لهم، ويزنون، ويشربون الخمور، وإلى آخره من الذنوب والكبائر، ولكنهم في النهاية موحدون بالله. إذا ماتوا على هذا، ففي يوم الحساب إن لم يعف الله جل وعلا عنهم سيدخلهم النار، ولكن لن يخلدوا فيها، وسيكون مصيرهم بعد العذاب الجنة. ولكن كيف سيكون مكانهم ومصيرهم في النهاية الجنة، مثلهم مثل الذين حرموا أنفسهم من متع ولذات كثيرة في الدنيا من أجل رضا الله عز وجل وتعظيمه وحبهم، وخوفهم منه.
وكيف ستكون نهايتهم الجنة مع الذين اتقوا الله عز وجل في الدنيا، وابتعدوا عن لذة المعصية، وجاهدوا أنفسهم وشيطانهم من أجل إرضاء الله، وعبدوه كثيراً وصاموا له، وكانوا يقومون الليل، ويتصدقون إلى آخره من الأعمال الصالحة. في الوقت الذي كان فيه أصحاب الذنوب والكبائر، يتمتعون بفعل المعاصي والذنوب، ولذتها !؟
فكيف حتى ولو ذاقوا العذاب لوقت معين في النار، أن يكون مكانهم ومصيرهم في النهاية مع عباد الله الصالحين؟!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا ينبغي أن يشغل هذا الأمر تفكيرك، فإن الله تعالى أرحم الراحمين، وأعدل العادلين، وقضاؤه كله خير ورحمة، وحكمة وعدل ومصلحة، والله جل وعلا لا يسأل عما يفعل لكمال عدله وحكمته، فالتسليم لما أخبر الله به، ووردت به النصوص هو الواجب على كل مسلم، ثم إن هذا ليس فيه ظلم للمجتهدين الذين جاهدوا أنفسهم وشيطانهم كما تصورت، فإن هؤلاء العصاة وإن دخلوا الجنة، فلا يلزم أن تكون مرتبتهم فيها كمرتبة أولئك الذين سبقوهم إليها بما عملوه من الطاعات، وأهل الجنة درجات كما قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا {الإسراء:21}.

فليست رتبة الأنبياء في الجنة كرتبة آحاد الناس، وهكذا فإن من أطاع الله وأمعن في التقرب إليه حتى وصل إلى مرتبة المقربين، فهو أفضل، وأعلى طبقة ممن دونه من الأبرار، فضلا عن الظالمين لأنفسهم الذين يؤول أمرهم إلى الجنة إذا دخلوا النار، وهذا بين واضح والحمد لله.

ثم إنك قد علمت أن أصحاب المعاصي الذين فاقت حسناتهم سيئاتهم من الموحدين، يعذبون في النار بقدر ذنوبهم، فإذا تطهروا منها خرجوا من النار، والنار حرها شديد وقعرها بعيد، وعذابها أليم، فغمسة واحدة فيها تذهب بكل نعيم؛ ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا بن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب.

فعليك بالتسليم لحكم الله، والفرح بما منَّ الله به على هذه الأمة من جعله كل أهل التوحيد في الجنة، وإن أصابهم قبل ذلك ما أصابهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني