الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء فيمن اشترى شاة شراء فاسدا

السؤال

السؤال: أحد الأشخاص أراد أن يعق عن ابنه؛ فذهب إلى سوق المواشي واشترى خروفا. واتفق مع البائع على أن يدفع له ثمن الخروف حسب وزن اللحم، بعد أن يتم ذبحه، أي أن الخروف كاملا من حق المشتري، وليس اللحم فقط، ولكن طريقة حساب السعر تكون حسب كمية اللحم بعد الذبح. وذبح الخروف بنية العقيقة لابنه.
السؤال: هل هذا جائز؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فذبح هذه الشاة بنية العقيقة، نافع في تحقيق هذا الشرط؛ فإن نية العق قبل الذبح واجبة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 18630. وإنما الإشكال هنا في طريقة الشراء المذكورة، وقد سبق أن بينا أن بيع الشاة بوزن لحمها بعد ذبحها, لا يصح، وراجع في ذلك الفتويين: 226537،11654.

ومع فساد هذا البيع، فإنه إن تم فيه التقابض، وفات المبيع بتصرف أو هلاك؛ فإنه ينفذ، ويترتب عليه صحة الملك، على خلاف بين أهل العلم في ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: القبض الذي لا يفيد الملك هو الظلم المحض، فأما المقبوض بعقد فاسد كالربا والميسر ونحوهما، فهل يفيد الملك؟ على ثلاثة أقوال للفقهاء:

أحدها: أنه يفيد الملك، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني: لا يفيده، وهو مذهب الشافعي وأحمد في المعروف من مذهبه.

والثالث: أنه إن فات أفاد الملك، وإن أمكن رده إلى مالكه ولم يتغير في وصف، ولا سعر لم يفد الملك. وهو المحكي عن مذهب مالك. اهـ.

ومذهب المالكية هو الوسط، وهو الراجح إن شاء الله.

قال القرافي في (شرح تنقيح الفصول): آثار العقود هي التمكن من البيع والهبة، والأكل والوقف وغير ذلك. وأما العوارض التي تلحق بها على أصولنا، فذلك أن النهي يدل على الفساد عندنا -يعني المالكية- وعند الشافعية، وعلى الصحة عند الحنفية، فطرد الحنفية أصلهم، وقالوا: إذا اشترى أمة شراءً فاسداً جاز له وطؤها، وكذلك جميع العقود الفاسدة. وطرد الشافعية أصلهم وقالوا: يحرم عليه الانتفاع مطلقاً، وإن بيع ألف بيع وجب نقض الجميع.

ونحن خالفنا أصلنا، وراعينا الخلاف في المسألة، وقلنا: إن البيع الفاسد يفيد شبهة الملك فيما يقبل الملك، فإذا لحقه أحد أربعة أشياء تقرر الملك بالقيمة وهي: حوالة الأسواق، وتلف العين، ونقصانها، وتعلق حق الغير بها .. اهـ.

وقال الزركشي في (البحر المحيط): أما المالكية فتوسطوا بين القولين، ولم يفرقوا بين الباطل والفاسد في التسمية، ولكنهم قالوا: البيع الفاسد يفيد شبهة الملك فيما يقبل الملك، فإذا لحقه أحد أربعة أشياء يقدر الملك بالقيمة وهي: حوالة الأسواق، وتلف العين، ونقصانها، وتعلق حق الغير بها. اهـ.

والمقصود أن مثل هذا البيع وإن حكمنا بفساده، إلا أنه يفيد الملك، وينفذ إذا فات، وهذا حاصل بذبح الشاة المبيعة، وعلى ذلك تصح العقيقة بالشاة التي اشتريت بالطريقة المذكورة في السؤال إذا ذبحت بالفعل.

وأما على مذهب الحنفية، فالأمر واضح في صحة العق بهذه الشاة مطلقا.

ولذلك جاء في (الفتاوى الهندية): رجل اشترى شاة شراء فاسدا، فذبحها عن الأضحية، جاز ... اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني