الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سعة رحمة الله لا ينبغي أن تصبح وسيلة تشجيع على المعاصي

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم.
أنا شخص أكثرت من المعاصي وكلما أتوب أرجع إلى المعصية التي فعلتها من قبل فهل تنصحوني جزاكم الله خيرا، وهل لي من توبة بإذن الله؟ وهل الذهاب إلى العمرة تكفر المعاصي الكبيرة كالزنى والسرقة والربا
أرجو الإجابة على أسئلتي جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنرجو الله أن يهدينا وإياك لطاعته، والابتعاد عن معصيته، وأن يوفقنا وإياك للسلامة من الذنوب. ثم إن سؤالك عمَّا إذا كانت لك توبة؟ فنقول لك فيه: إن باب التوبة مفتوح للمرء ما لم يغرغر أو تطلع الشمس من مغربها. فحينذاك: لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً[الأنعام:158]. ولا يمنع توبتك أنك كلما تبت رجعت إلى المعصية، فقد أخرج الشيخان وأحمد من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ما يحكيه عن ربه عز وجل. قال: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. قال العلماء: أي فقد غفرت لك مادمت تذنب وتتوب من ذنبك. واعلم أن سعة رحمة الله بعباده وعفوه لا ينبغي أن تتخذ كوسيلة تشجيع على المعاصي وتساهل في الطاعة؛ لأن الله تعالى قادر على أن يحول بينهم وبين التوبة، فيموتوا على المعصية والعياذ بالله. وقد قرن في كثير من الآيات القرآنية مغفرته للذنوب بشدة عقابه للعصاة. وقال جل من قائل: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ[الرعد:6]، وقال: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ[غافر:3] إلى غير ذلك. وعمَّا إذا كان الذهاب إلى العمرة يكفِّر كبائر الذنوب كالزنا والسرقة والربا، فنقول: أخرج الإمام مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه. ولكن أهل العلم رأوا أن هذا الحديث لا يشمل كبائر الذنوب إلا بالتوبة منها. وحجتهم في ذلك أن الصلاة - وهي أعظم شأنًا من الحج - لا تكفر صغائر الذنوب إلا مع اجتناب الكبائر، كما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. رَوَاهُ مُسلِم والترمذي وابن ماجه وأحمد. فإذا كانت الصلوات الخمس لا تكفر السيئات إلا مع اجتناب الكبائر، فما بالك بالحج أو العمرة أو غيرها، مما هو دون الصلوات الخمس. وعن النصيحة التي طلبت منا، فإنا نحيلك فيها على الفتوى رقم: 17998، فإن فيها شروط التوبة مع نصائح تتعلق بموضوعك. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني