الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تخرج المعصية مصلي الصبح من ذمة الله؟

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
لدي سؤالين وأريد ان أعرف الإجابة:
1-هل المدخن اذا صلى الفجر سيظل في ذمة الله ام يخرج من ذمته لانه يدخن؟ ولو مات وهو في زمته سوف يدخل الجنه؟
2-ما هي الأفعال الذي تخرجك عن ذمة الله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.

والحديث عام في كل من صلى الصبح؛ سواء كانت له معصية كالتدخين أو لا، وذلك لأن مَنْ، مِن صيغ العموم، ولم يرد ما يخصص هذا العموم، لكن قد ذهب بعض الشراح في معنى الحديث مذهبا يقتضي أن معصية الله موجبة للخروج عن ذمته المكفولة لمن صلى الصبح.

قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: وقيل: إن المراد أن المصلي في جماعة الصبح إذا خالف ما أمر به، خذلته ذمة الله التي هي الحفظ والكلاءة، وحينئذ فلا تعد في تعرضوا، بل فلا تخالفوا أوامر الله. انتهى.

وأما المشهور في معنى الحديث، فإن معنى كونه في ذمة الله أي عهده وضمانه وأمانه، وهو أمر بألا يتعرض له أحد بأذى حتى لا يكبه الله على وجهه في النار.

قال المناوي: قال ابن العربي: هذا إشارة إلى أن الحفظ غير مستحيل بقصد المؤذي إليه، لكن الباري سيأخذ حقه منه في إخفار ذمته، فهو إخبار عن إيقاع الجزاء لا عن وقوع الحفظ من الأذى. انتهى.

وفيه وجه آخر ذكره البيضاوي وهو أن يكون المراد بالذمة الصلاة المقتضية للأمان، فالمعنى لا تتركوا صلاة الصبح ولا تتهاونوا في شأنها فينتقض العهد الذي بينكم وبين ربكم، فيطلبكم الله به ومن طلبه الله للمؤاخذة بما فرط في حقه أدركه، ومن أدركه كبه على وجهه في النار، وذلك لأن صلاة الصبح فيها كلفة وتثاقل، فأداؤها مظنة إخلاص المصلي والمخلص في أمان الله. انتهى من فيض القدير.

فعلى الوجه الذي ذكره الصنعاني يخشى أن يكون المدخن خارجا من هذا الوعد الكريم.

وأما ما يخرج العبد عن حفظ الله وكلاءته، فأعظم ذلك الشرك، فإن بالتوحيد يعصم الدم والمال، وبضده وهو الشرك يباح الدم والمال، ثم المعاصي كلها على تفاوتها موجبة لسقوط العبد من عين الله وتخليته ونفسه، فيكل الله العبد إلى نفسه ويمنعه كلاءته وحفظه فيهلك عياذا بالله، وكما أن طاعة الله من أسباب حفظه سبحانه للعبد كما في حديث: احفظ الله يحفظك. رواه الترمذي، فإن معصية الله من أعظم أسباب الحرمان، وموجبات الخذلان والخروج عن حفظ الله للعبد وإعانته له وتوفيقه إياه.

قال ابن القيم في سياق آثار الذنوب والمعاصي: ومنها: تعسير أموره عليه. فلا يتوجّه لأمر إلا يجده مغلقًا دونه، أو متعسّرًا عليه. وهذا كما أنّ من اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، فمن عطّل التقوى جعل له من أمره عسرًا. ويالله العجب! كيف يجد العبد أبوابَ الخير والمصالح مسدودةً عنه، وطرُقَها معسَّرةً عليه، وهو لا يعلم من أين أُتِيَ؟ انتهى. وقد أطال الإمام المحقق -رحمه الله- وأطاب في ذكر آثار الذنوب والمعاصي، بما يحسن بكل مسلم مراجعته من هذا الكتاب النافع نعني الداء والدواء.

وبالجملة فما من شر في الدنيا أو فساد إلا والمعاصي هي سببه وموجبه، نسأل الله العافية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني