الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن لغير الصحابة اللحاق بدرجتهم في الجنة؟

السؤال

اتفق الصحابة والسلف أن أبا بكر له مكانة عظيمة عند الله ورسوله، فهل يمكن لأحد أن يلحق بنفس منزلته في الجنة أم إنها درجة مختصة به وبالصحابة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يمكن لأحد بعد الصحابة -رضوان الله عليهم- عمومًا، وأبي بكر -رضي الله عنه- خصوصًا، أن يبلغ درجتهم في الجنة؛ وذلك لما اختصهم الله به من الفضل، وحباهم من الكرامة، وأهلهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك عمل لا يمكن أن يشركهم فيه من بعدهم.

ولو أن من بعد الصحابة أنفق مثل أحد ذهبًا في سبيل الله، لم يبلغ مدًّا ينفقه أحدهم، أو نصيفه، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الخطيب بعد ذكر طرف من فضائلهم -رضي الله عنهم-: على أنه لو لم يرد من اللَّه ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه؛ لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، ونصرة الإسلام، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطع على تعديلهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم. انتهى.

وقال الحافظ في الإصابة: والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة، من أدلها على المقصود: ما رواه الترمذي، وابن حبان في «صحيحه»، من حديث عبد اللَّه بن مغفّل، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «اللَّه اللَّه في أصحابي، لا تتّخذوهم غرضًا، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم، فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه، فيوشك أن يأخذه»، كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدريّ من قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «والّذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا، ما أدرك مدّ أحدهم، ولا نصيفه». وتواتر عنه صلّى اللَّه عليه وسلم قوله: «خير النّاس قرني، ثمّ الّذين يلونهم». وروى البزّار في مسنده، بسند رجاله موثقون، من حديث سعيد بن المسيب، عن جابر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «إنّ اللَّه اختار أصحابي على الثّقلين، سوى النّبيّين والمرسلين». وقال عبد اللَّه بن هاشم الطّوسيّ: حدثنا وكيع، قال: سمعت سفيان يقول في قوله تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النمل:59]، قال: هم أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، والأخبار في هذا كثيرة جدًّا. انتهى باختصار.

وقد قيل لابن المبارك -رحمه الله-: معاوية خير، أو عمر بن عبد العزيز؟ قال: تراب دخل في أنف معاوية -رحمه الله- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز.

وسئل أبو أسامة حماد بن أسامة: أيما أفضل معاوية، أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس بهم أحد. أخرجهما الآجري في الشريعة.

فعلم بهذا؛ ما قررناه من أن تلك منازل خص بها الله أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يبلغ من بعدهم شأوهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني