الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصيحة للولد الذي ابتلي بعائلة منحرفة

السؤال

أبي وأمّي يشتد فرحهما إذا وقعت في معصية، كأنهم شياطين.
عدت للبيت بعد خروجي منه غاضبًا، بعدما رأيت كثيرًا من الأدلة التي تثبت أن أمّي على علاقة بأخي، وأبي يعرف ولا يبالي، ولأنه لم يبالِ من قبل عندما أخبرته أن أمّي على علاقة بغيره من الرجال، وكاد أبي أن يقفز من الفرحة عندما فوّت صلاة الظهر، ولكنه لم يكن يعلم أني نائم في الغرفة المغلقة عليّ، ثم إن أمّي تحاول التحرش بي أكثر من مرة، بل وتحاول إغرائي.
أكاد أن أنفجر غيظًا من شدة خبثهم، ولا أصدق ما أرى، وقد عدت؛ لأني ما زلت أدرس، ويصعب عليّ أن أجد عملًا يتركني صاحبه أصلي، وبعدد ساعات قليلة؛ لأذاكر، وبراتب كبير؛ لأنفق على نفسي، وكليتي، وكتبي، والدورات، وإيجار المكان، وغير ذلك.
وهم عائلة شديدة الخبث، ومنحرفو الفطرة، ولكني لم أكن أتوقع ذلك، ولكن لا يعني ذلك قبولي بالمنكر، فقد هددتهم بالفضيحة بين الأهل، والجيران، والناس، وأنتظر أي فعل وسأفضحهم بالفعل؛ لأنهم لا رادع لهم إلا ذلك؛ حتى لو أوذيت.
وأمر آخر أني يجب أن أتعامل معهم بقوة، وليس ذلك بأن أؤذيهم، ولكن أن يكون كلامي رسميًّا، فيه شدة، وليس فيه مزاح، ولا لين إطلاقًا؛ لأنه يسهل عليهم معاندتي، وفعل المنكر؛ لأني ضعيف أمامهم، بل ويسهل عليهم أذيتي شخصيًّا، وذلك لا يمنعهم من حقوق، أو طلبات حقيقية، ويمنع المكر، والخبث، فهل هذا هو الصواب أم ماذا؟ ولو اضطررت لإخافتهم مني؛ لردعهم عن المنكر، فما الحكم؟ وهل عليّ إثم إن فعلوا شيئًا وأنا في البيت، ولكن في غرفة أخرى، ولا أدري؛ لأني مشغول جدًّا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الواقع الذي تحكيه عن أسرتك -إن صح-، واقع خطير، وخطب جسيم، لا يمكن تصديق أن يحدث في أسرة مسلمة، لولا أنك ذكرته عن أهلك، فهو يدل على جفاء طبع، وانتكاس فطرة.

فمن أولى ما نوصيك به: الصبر عليهم، فعاقبة الصبر خير، وهو يعينك في حسن التصرف معهم، بعيدًا عن العصبية، والتشنج، بل بتعقل، وحكمة، وانظر لمزيد الفائدة، الفتوى: 18103، ففيها بيان فضل الصبر.

ثانيًا: توجه إلى الله عز وجل داعيًا متضرعًا، أن يهديهم، ويتوب عليهم، فعسى الله سبحانه أن يهديهم صراطه المستقيم، ويبدل حالهم، وهذا من أعظم البر بالوالدين، والإحسان إليهم، ومن أفضل أبواب الصلة للأرحام، وراجع الفتوى: 119608، وهي عن آداب الدعاء وأسباب الإجابة.

وننبهك هنا إلى أن قولك عن والديك: كأنهم شياطين، يتنافى مع البر، بل هو نوع من العقوق، وإساءة الوالدين، لا تسقط عن الولد وجوب برهما، والإحسان إليهما، وانظر الفتوى: 299887.

ثالثًا: اجتهد في النصح بالحسنى، والرفق، واللين، وخاصة مع الوالدين، فهذا السبيل أجدى، وأنفع -بإذن الله تعالى-، روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الرفق لا يكون في شيء، إلا زانه، ولا ينزع من شيء، إلا شانه. وانظر الفتوى: 134356، والرفق واللين لا يتنافى مع الحزم.

رابعًا: ما قمت به من التهديد بفضحهم، لا بأس به، ولكن الستر عليهم مطلوب -وخاصة الوالدين-، فلا تفضح أحدًا منهم بالفعل، وتراجع الفتويان: 193883، 69689.

خامسًا: لم نفهم ما تعنيه بقولك: ولو اضطررت لإخافتهم مني؛ لردعهم عن المنكر... الخ، فلا نستطيع أن نبين لك حكم ذلك، ولكن نحيلك على الفتوى: 124424، ففيها بعض ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والفتوى: 134356، ففيها بيان أدب الإنكار على الوالدين.

سادسًا: من كان في مكان فيه منكر، لا يراه، ولا يسمعه، فلا مؤاخذة عليه في ذلك، كما سبق بيانه في الفتوى: 166725.

سابعًا: إن لم ينصلح حال أهلك، ووجدت سبيلًا للانفراد، والعيش بعيدًا عنهم؛ فافعل، واحرص على بر والديك، وصلة أهلك، بما هو ممكن من الزيارة، أو الاتصال، ونحو ذلك، وراجع الفتوى: 132250.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني