الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مراتب النية والهمِّ والعمل

السؤال

علمت أنه يوجد حديث معناه أن الدنيا لأربع رجال: رجل أتاه الله علما ومالا، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا إلى آخر الحديث.
فهل يشمل هذا الحديث أشياء أخرى غير المال؟ أقصد مثلا لو لا قدر الله لم يوفقني الله أن أدخل كلية الطب، وأنا نيتي أني كنت أريدها لأعالج الناس وأنفعهم. فهل يحسب لي الأجر كأني طبيب، أو مثلا كنت أريد أن أكون رئيس دولة عربية، فأوحد صفوف المسلمين، وأنهض بالعرب. فهل مثلا آخذ ثوابا على نيتي هذه، رغم كوني شخصا عاديا، ولست رئيسا أو مسؤولا بالدولة، علما أني لم أتخذ خطوة للوصول لمثل هذا المنصب، أو لم أحاول حتى تحقيق السير نحو هذا الهدف؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنية المؤمن أبلغ من عمله، وما يتمناه من الخير أكثر مما يستطيع القيام به حقيقة، ولكن النية نفسها تتفاوت، فليس مجرد الخاطر أو حديث النفس، كالهَمِّ بالفعل أو العزم عليه. كما أن النية وإن كانت جازمة، لا تصل إلى مرتبة حقيقة الفعل!

ولذلك يمكننا القول بأن النية الجازمة التي تقترن بما يقدر عليه صاحبها: لها أثرها، فإن تعلقت بطاعة، كان صاحبها مأجورا مثابا. وكان هو والفاعل الحقيقي سواءً في حصول أجر القصد والنية، ولكن من منَّ الله تعالى عليه ووفقه للعمل حقيقةً، يحصل له من مضاعفة الثواب ما لا يحصل للناوي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولأهل العلم في تفصيل ذلك خلاف وكلام طويل، يمكن الاطلاع على بعضه في الفتاوى: 153195، 340597، 327607، 226630، 28477. وتجد في الأولى منها نص الحديث المشار إليه في السؤال.

وقال الشيخ ابن عثيمين -كما في مجموع فتاويه ورسائله-: الذي يكتب من الحسنات ما عمله الإنسان، وما نواه، وما همَّ به؛ فهذه ثلاثة أشياء:

- فأما ما عمله؛ فظاهر أنه يكتب.

- وأما ما نواه؛ فإنه يكتب له، لكن يكتب له أجر النية فقط كاملا؛ كما في الحديث الصحيح في قصة «الرجل الذي كان له مال ينفقه في سبيل الخير، فقال الرجل الفقير: لو أن عندي مالا؛ لعملت فيه بعمل فلان؛ قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فهو بنيته؛ فأجرهما سواء".

ويدل على أنهما ليسا سواء في الأجر من حيث العمل: أن فقراء المهاجرين لما أتوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: يا رسول الله! إن أهل الدثور سبقونا. فقال لهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين". فلما سمع الأغنياء بذلك؛ فعلوا مثله، فرجع الفقراء يشكون إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لهم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"، ولم يقل: إنكم بنيتكم أدركتم عملهم. ولأن هذا هو العدل؛ فرجل لم يعمل لا يكون كالذي عمل، لكن يكون مثله في أجر النية فقط.
- وأما الهمُّ؛ فينقسم إلى قسمين:

الأول: أن يهم بالشيء ويفعل ما يقدر عليه منه، ثم يحال بينه وبين إكماله. فهذا يكتب له الأجر كاملا؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100] ... بل إن الإنسان إذا كان من عادته العمل، وحيل بينه وبينه لسبب؛ فإنه يكتب له أجره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا».

القسم الثاني: أن يهم بالشيء ويتركه مع القدرة عليه؛ فيكتب له به حسنة كاملة؛ لنيته. اهـ.

وعلى ذلك؛ فمن سعي بجهده وفعل ما يستطيع لدخول كلية الطب بهذه النية الحسنة من إعانة الناس، ونفعهم ومعالجتهم، ثم لم يتيسر له الدخول، فهذا من القسم الأول من الهم.

وأما من تمنى أن يكون رئيس دولة لينهض بالمسلمين ويوحد صفوفهم، ولكنه لم يفعل شيئا في هذا السبيل ولم يحاول، فهذا يُكتب له أجر نيته الحسنة، والنية هي النوع الثاني مما يكتب للإنسان في كلام الشيخ ابن عثيمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني