الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى: المحمود في ذاته

السؤال

من أسماء الله الحسنى: الحميد. ويقول المفسرون: معناه؛ المحمود في ذاته، وصفاته، وأفعاله. فما معنى المحمود في ذاته؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمحمود لذاته أي المحمود لنفسه -سبحانه وبحمده- بغض النظر عن إحسانه المتعدي للعبد، فذاته الكريمة تبارك وتعالى أهل للحمد على كل حال.

وقد بين ابن القيم هذا المعنى فقال في معنى اسم الحميد ما مختصره: فالحميد فعيل من الْحَمد، وَهُوَ بِمَعْنى مَحْمُود، وَأكْثر مَا يَأْتِي فعيلاً فِي أَسْمَائِهِ -تَعَالَى- بِمَعْنى فَاعل كسميع وبصير وَعَلِيم وقدير...

وَأما الحميد فَلم يَأْتِ إِلَّا بِمَعْنى الْمَحْمُود، وَهُوَ أبلغ من الْمَحْمُود، فَإِن فعيلاً إِذا عدل بِهِ عَن مفعول دلّ على أَن تِلْكَ الصّفة قد صَارَت مثل السجية والغريزة والخلق اللَّازِم...

وَلِهَذَا كَانَ حبيب أبلغ من مَحْبُوب؛ لَأن الحبيب الَّذِي حصلت فِيهِ الصِّفَات وَالْأَفْعَال الَّتِي يحب لأَجلهَا، فَهُوَ حبيب فِي نَفسه، وَإِن قدر أَن غَيره لَا يُحِبهُ لعدم شعوره بِهِ أَو لمَانع مَنعه من حبه، وَأما المحبوب فَهُوَ الَّذِي تعلق بِهِ حب الْمُحب فَصَارَ محبوباً بحب الْغَيْر لَهُ، وَأما الحبيب فَهُوَ حبيب بِذَاتِهِ وَصِفَاته، تعلَّق بِهِ حب الْغَيْر أَو لم يتَعَلَّق، وَهَكَذَا الحميد والمحمود، فالحميد هُوَ الَّذِي لَهُ من الصِّفَات وَأَسْبَاب الْحَمد مَا يَقْتَضِي أَن يكون مَحْمُودًا، وَإِن لم يحمده غَيره، فَهُوَ حميد فِي نَفسه، والمحمود من تعلق بِهِ حمد الحامدين، وَهَكَذَا الْمجِيد والممجد، وَالْكَبِير والمكبر، والعظيم والمعظم، وَالْحَمْد وَالْمجد إِلَيْهِمَا يرجع الْكَمَال كُله، فَإِن الْحَمد يسْتَلْزم الثَّنَاء والمحبة للمحمود، فَمن أحببته وَلم تثن عَلَيْهِ لم تكن حامداً لَهُ حَتَّى تكون مثنياً عَلَيْهِ محباً لَهُ، وَهَذَا الثَّنَاء وَالْحب تبع للأسباب الْمُقْتَضِيَة لَهُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَحْمُود من صِفَات الْكَمَال ونعوت الْجلَال وَالْإِحْسَان إِلَى الْغَيْر، فَإِن هَذِه هِيَ أَسبَاب الْمحبَّة، وَكلما كَانَت هَذِه الصِّفَات أجمع وأكمل كَانَ الْحَمد وَالْحب أتم وَأعظم. وَالله سُبْحَانَهُ لَهُ الْكَمَال الْمُطلق الَّذِي لَا نقص فِيهِ بِوَجْه مَا، وَالْإِحْسَان كُله لَهُ وَمِنْه، فَهُوَ أَحَق بِكُل حمد، وَبِكُل حب من كل جِهَة، فَهُوَ أهل أَن يحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، وَلكُل مَا صدر مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني