الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علم الله سبحانه قديم أزلي شامل

السؤال

كيف يعرف الله الألوان قبل خلقها؛ فاللون شيء محسوس يرى بالعين، وليست معلومة مجردة، فهل هذا يعني أن الله يرى الأشياء قبل خلقها؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك تواصلك معنا.

وننصحك بأن تصرفي همتك إلى السؤال عن أصول الإيمان، وأعمال القلوب، والعبادات، ونحوها من العلوم التي يحتاجها كل مسلم في أمر دينه.

وأما الغرائب والمعضلات المتكلفة -والتي تكثرين منها-، فمن المستقبح التشاغل بالسؤال عنها، وراجعي في هذا الفتوى: 286822.

وقد كان من هدي السلف الكف عن تجشم عناء الخوض في جواب الغرائب، وعدم إشغال المجيب والسائل بها -كما ترينه في الفتوى المشار إليها-.

وحسبك أن تعلمي أن الله بكل شيء عليم، وأنه تعالى وسع كل شيء علمًا، وأن علمه سبحانه قديم أزلي، جاء في شرح العقيدة الواسطية من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: وقوله - سبحانه-: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]، وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:2]، وقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ:2]، وقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام:59]، وقوله: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} [فاطر:11]. في هذه الآيات الكريمات إثبات صفة العلم لله - تعالى-.

وأدلة إثباتها كثيرة، فإن "في القرآن، والحديث، والآثار ما لا يكاد يحصر" من النصوص الدالة على ثبوت صفة العلم لله - تعالى-، و"هو -سبحانه- يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون". "ولهذا كان قول المرسلين: إن الله أحصى كل شيء عددًا، فهو يعلم أوزان الجبال، ودورات الزمان، وأمواج البحار، وقطرات المطر، وأنفاس بني آدم: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام:59].

وهو - سبحانه - "يعلم المعدومات، والممتنعات التي ليست مفعولة، وكما يعلم المقدرات، كقوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28]، وقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]، وإن كان وجود إله غيره ممتنعًا، فعلمه -سبحانه- بما يعلمه، ليس من شرطه كونه مفعولًا له، بل كونه مفعولًا له دليل على أنه يعلمه، والدليل لا ينعكس". فالله -جل شأنه- "العليم الذي له العلم العام للواجبات، والممتنعات، والممكنات، فيعلم نفسه الكريمة، وصفاته المقدسة، ونعوته العظيمة، وهي الواجبات التي لا يمكن إلا وجودها، ويعلم الممتنعات حال امتناعها، ويعلم ما يترتب على وجودها، لو وجدت، كما قال -تعالى-: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]"، "ويعلم -تعالى- الممكنات، وهي التي يجوز وجودها، وعدمها، ما وجد منها، وما لم يوجد، وما لم تقتض الحكمة إيجاده"، وقد أحاط علمه -سبحانه- "بجميع الأزمان الحاضرة، والماضية، والمستقبلة". "واسمه العليم لما كان كل شيء يصلح أن يكون معلومًا تعلق بكل شيء"، فعلمه -سبحانه- "له عموم التعلق: يتعلق بالخالق، والمخلوق، والموجود، والمعدوم". اهـ.

وراجعي الفتوى: 214762.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني