الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفع الزكاة مع الشك في استحقاق الآخذ

السؤال

لي جار أعرف أنه مستور الحال، وقد أخبرني في يوم أنه محتاج لعمل قسطرة في القلب، ودعامات، وأنه لا يملك المبلغ اللازم، فاستفتيت أحد المشايخ، وأفادني بأنه يجوز إعطاؤه من زكاة المال، فتكلمت مع جار آخر في الموضوع، فوافق على أن يساعد هو كذلك بمبلغ من المال، فأعطيته مبلغًا من زكاة المال، وطلبت منه أن يوصله لجارنا المريض، ثم تبين بعد ذلك أن هذا المريض بإمكانه إجراء القسطرة في التأمين الصحي دون مصاريف، فأبلغت جاري الذي معه المال بذلك، وطلبت منه أن يعطيه لمستحقي الزكاة، وأبلغت جاري المريض بأنه من الممكن إجراء القسطرة على نفقة التأمين الصحي، ولكن جاري الذي عنده المال قال: سأحتفظ بالمال حتى ينتهي من إجراء القسطرة، وفعلًا تم إجراء القسطرة على نفقة التأمين، ولكن جاري الذي معه المال، أخذني معه، وذهبنا لزيارة جارنا المريض، وأعطاه المبلغ، وقال: من المؤكد أنه صرف على الدواء وخلافه، ولاحظت من زيارتنا لمنزله أنه متوسط الحال، فهل يجزئ المبلغ الذي دفعته عن زكاة المال؟ أفتونا -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا يجزئ دفع الزكاة مع الشك في استحقاق الآخذ هل هو من أهل الزكاة أم لا، بل لا بد من اليقين، أو غلبة الظن بأنه من مصارفها، قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَّا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يَظُنُّهُ مِنْ أَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَى مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، فَاحْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ؛ لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ، وَالظَّنُّ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ؛ لِتَعَذُّرِ، أَوْ عُسْرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَظُنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ بَانَ مِنْ أَهْلِهَا، لَمْ يُجْزِئْهُ. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: إِذَا دَفَعَ الْمُزَكِّي الزَّكَاةَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي أَنَّ مَنْ دُفِعَتْ إِلَيْهِ مَصْرِفٌ مِنْ مَصَارِفِهَا، وَلَمْ يَتَحَرَّ، أَوْ تَحَرَّى وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ. اهــ.

وما دام أن ذلك الرجل قد أجرى العملية، ولم يحتج إلى مال الزكاة لإجرائها، فإنه لا تدفع له الزكاة؛ لمجرد الظن أنه ربما يحتاج إلى دواء، ونحوه؛ لأنه قد يكون قادرًا على الدواء، وإن لم يكن قادرًا على تكلفة العملية.

والخلاصة: أنه إذا لم تعلم، أو يغلب على ظنك أن ذلك الرجل من مصارف الزكاة، فإن ذمتك لم تبرأ، وتطالب بإخراج الزكاة الآن.

والذي يظهر لنا من السؤال أيضًا أن جارك قد تعدّى بدفع المال لذلك المريض؛ لأنك أخبرته بأنه ليس من مصارفها، فاحتفظ بالمال عنده، ثم دفعه له من غير إذنك، فإذا كان الأمر كذلك، فإنه ضامن، ولك الحق في مطالبته بالمال. وانظر الفتوى: 381101 بعنوان: هل يجوز للوكيل مخالفة قول موكِّله في توزيع زكاة المال؟

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني