الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركُ المرءِ الجلوسَ في المكان الذي عصى الله فيه

السؤال

إذا عصيت الله في مكان معين -نسأل الله العفو والعافية- فإني لا أريد أن أجلس فيه مرة أخرى، سواء لأمور مباحة، أو لطاعة حتى لو كان المكان طاهرا عينا وحكما. وذلك لأني دائما أذكر قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، فقال له العالم أن يهجر أرض السوء إلى أرض طيبة.
مثال: إذا عصيت الله على كرسي أو فراش، فإني لا أرغب في أن أجلس عليه مرة أخرى.
فهل فعلي هذا صحيح؟ أم أجلس عليه وأعمره بطاعة الله، مثلما عمرته بمعصيته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلم يشرع الله تعالى -فيما نعلم- المنع من الجلوس في المكان الذي وقعت فيه معصيةٌ، لمجرد أنه وقعت فيه المعصية، لا على سبيل التحريم، ولا على سبيل الكراهة، وإنما شرع التوبة والاستغفار، ومفارقة رفقاء السوء المعينين على المعصية، ومفارقة المكان الذي يعين البقاءُ فيه على تكرار الوقوع في المعصية؛ كأن يبقى التائب من الزنا في مكان تكثر فيه فتن النساء، أو يبقى شارب الخمر في مكان يُشرب فيه الخمر، وهكذا.

وهذا ما تدل عليه قصة الذي قتل مائة نفس، ففيها: انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ، فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. رواه مسلم، وفي رواية أحمد في المسند: اخْرُجْ مِنَ الْقَرْيَةِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا، إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ قَرْيَةِ كَذَا وَكَذَا، فَاعْبُدْ رَبَّكَ فِيهَا. وفي رواية الطبراني في المعجم: هَهُنَا مَكَانٌ فِيهِ قَوْمٌ يَتَعَبَّدُونَ، فَائْتِهِمْ تَعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ.

فالرجل خرج طلبا للرفقة الصالحة، وبعدا عن القرية التي يكثر فيها الشر والفساد، لا لمجرد أنه عصى الله في ذلك المكان، ولو كانت قريتُه صالحةً لما أمره ذلك العالم بالخروج منها.

فيكفيك أخي السائل ما جاء به الشرع من التوبة والاستغفار، فإذا وقعت في معصية، فتب إلى الله منها، ولا تحرم على نفسك ما لم يحرمه الله تعالى عليك من الجلوس في مكان لمجرد أنك عصيت الله فيه، بل لو عكست الأمر فأطعت الله في ذلك المكان بالذكر وغيره من الطاعات، لكان أصوب من هجره؛ لأن البقعة تشهد على صاحبها بما عمله من خير وشر. فإن شهدت عليك يوم القيامة بما عملته عليها من شر، فاجعلها تشهد عليك بالخير أيضا.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "الوابل الصيب": فإن البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة، قال تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدث أخبارها * بأن ربك أوحى لها}. فروى الترمذي في جامعه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: «قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: {يومئذ تحدث أخبارها}، فقال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا». اهــ.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني