الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقصير المقاول في تنفيذ المواصفات المطلوبة منه

السؤال

أعمل الآن في شركة مقاولات ملك لي، إلا أن العمل في هذا المجال فيه أعمال محرمة؛ كالرشوة المجبر عليها؛ طبقًا لطبيعة هذا النشاط، وأحيانًا التقصير في تنفيذ المواصفات اللازمة، ولا أدري ما يجب فعله، فهل أبتعد عن هذا العمل لشبهات الحرام التي فيه؟ وما كيفية التوبة عما سبق؟ وكيف أعرف مقدار ما اكتسبته من مال حرام؟ وهل الصلاة مقدمة على التوبة أم العكس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالرشوة إن اضطر المرء إليها ليحصل على حقه، أو ليدفع عن نفسه ضررًا أو ظلمًا، فلا تحرم من جانبه.

وبناء على هذا؛ فلينظر السائل في ما سبق له دفعه، فإن كان على هذا النحو، فلا إثم عليه أصلًا.

وإن كانت من النوع المحرم، فليتب إلى الله تعالى، ولا يعد لمثلها بعد لك، وراجع في ذلك الفتويين: 23127، 17929.

وأما التقصير في تنفيذ المواصفات اللازمة في العمل، فهذا فيه غش، وظلم، وتعدٍّ على حقوق العباد، وهي مبنية على المشاحة، ولا بد في التوبة منها من رد الحق إلى صاحبه، أو استحلاله منه، إن أمكن ذلك.

فليرجع السائل إلى معاملاته، وتعاقداته السابقة، فما حصل فيه بخس لأحد، أو تعدٍّ على حقه، فليَرجعْ إليه -إن استطاع-، وليستحلَّه، وإلا فليردَّ له قيمة هذا البخس، أو يصالحه عليه.

فإن لم يتيسر له ذلك، فليتصدق به عن صاحبه، وإلا فليكثر من الحسنات بصفة عامة، والصدقات بصفة خاصة، بقدر طاقته، وليسأل الله تعالى أن يرضي عنه خصومه يوم القيامة، قال الغزالي في كتاب: (منهاج العابدين) في بيان كيفية التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الناس:

هذا أشكل وأصعب. وهي أقسام، قد تكون في المال، أو في النفس، أو في العرض، أو في الحرمة، أو الدين: فما كان في المال، فيجب أن ترده عليه، إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك لعدم أو فقر، فتستحلّ منه، وإن عجزت عن ذلك لغيبة الرجل أو موته، وأمكن التّصَدُّقُ عنه، فافعل، فإن لم يمكن، فعليك بتكثير حسناتك، والرجوع إلى الله تعالى بالتضرّع، والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيامة. اهـ.

وإن كنت لا تستطيع أن تعمل في هذا المجال إلا ببخس الناس حقوقهم، فلتتركه، ولتبحث عن مجال آخر.

وإن أمكنك الوفاء بحقوق الناس، ولو بربح قليل، فلا حرج عليك في البقاء فيه.

وأما السؤال الأخير: هل الصلاة مقدمة على التوبة أم العكس؟ فلا ندري ما وجهه! فإن إقامة الصلاة لا تتعارض مع التوبة من بقية المعاصي حتى يُسأل: أيهما يُقدَّم؟!! فمن كان عاصيًا ومفرطًا في الصلاة، فليتب من تفريطه في صلاته، وليقمها كما أُمِر، وليتب مع ذلك من بقية معاصيه، في آن واحد.

وأما إذا كان قصد السائل أيهما أعظم إثمًا: ترك الصلاة أو بقية المعاصي؟

فالجواب: أن أعظم الذنوب بعد الشرك بالله تعالى هو ترك الصلاة، قال ابن القيم في كتاب الصلاة: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزنى، والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله، وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة. اهـ. وانظر الفتوى: 130853.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني