الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا شاب عمري 15 سنة، عندما كنت في 14 ونصف من عمري، بدأت برؤية مقاطع وصور النساء، والعادة السرية، وأصبحت أرى نساء يقبلن بعضهنّ، وأصل إلى مراحل عالية من الشهوة، فهل أنا شاذ؟ وأريد طريقة أتوب فيها، ولا أعود إلى هذا الذنب؛ لأني أصبحت لا أندم على ذنبي مثل الماضي، فما الحل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يلزم مما فعلت أن تكون شاذًّا، ولكن حاصل أمرك أنك وقعت في حبائل الشيطان، وهو عدو الإنسان الحريص على إغوائه، وفتنته، وقد حذر الله تعالى من شره، فقال: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ {الأعراف:27}، وقال سبحانه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {فاطر:6}.

فإطلاق البصر في النظر إلى الحرام، أمر خطير؛ لكونه يقود إلى الوقوع في الفاحشة، ومن هنا أمر الله عز وجل بغض البصر، وحفظ الفرج، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}.

وروى أبو داود عن بريدة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي -رضي الله عنه-: يا علي، لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة.

والعادة السرية محرمة، ولها كثير من الأضرار، كما بينا في الفتوى: 7170.

فالواجب عليك المبادرة للتوبة النصوح، ففي ذلك جلاء للقلوب من رين الذنوب، ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أخطأ خطيئة؛ نكتت في قلبه نكتة سوداء. فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ سقل قلبه. وإن عاد، زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.

قال المناوي في فيض القدير: (صقل) وفي نسخة: سقل... أي: رفع الله تلك النكتة، فينجلي قلبه بنوره، كشمس خرجت عن كسوفها فتجلت، وإن عاد إلى ذلك الذنب، أو غيره، زيد... فيها نكتة أخرى، وهكذا حتى تعلو على قلبه، أي: تغطيه وتغمره، وتستر سائره، كمرآة علاها الصدأ، فستر سائرها، وتصير كمنخل وغربال لا يعي خيرًا، ولا يثبت فيه خير.

ومن ثم؛ قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، أي: رسوله؛ باعتبار أنها إذا أورثت القلب هذا السواد، وعمته، يصير لا يقبل خيرًا قط، فيقسو، ويخرج منه كل رأفة، ورحمة، وخوف، فيرتكب ما شاء، ويفعل ما أراد، ويتخذ الشيطان وليًّا من دون الله، فيضله، ويغويه، ويعده، ويمنيه، ولا يقنع منه بدون الكفر ما وجد إليه سبيلًا. اهـ.

ولهذا قد يموت القلب بسبب هذه الذنوب، فلا يحس بألمها في قلبه، بل قد يألفها قلبه، وتزين له، فيستحسنها، قال تعالى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {فاطر:8}.

وإذا أردت السلامة لنفسك، والعافية لدينك، وعرضك؛ فاحرص على العلم النافع، والعمل الصالح، وحضور مجالس الخير، وصحبة الأخيار.

ولمزيد الفائدة، راجع فتاوانا: 12928، 1208، 10800.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني