الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من تصدق بمبلغ فهل يضاعف الله رزقه في الدنيا عشرة أضعاف ذلك المبلغ؟

السؤال

إذا تصدق أحدهم بمائة ريال، فهل يضاعف الله رزقه في الدنيا عشرة أضعاف هذه المبلغ؟ أي: هل يضاعف الله مقدار الصدقة عشرة أضعافها في الدنيا، ويرزقه عشرة أضعاف المبلغ الذي تصدق به؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال. رواه مسلم. فدل على أن الصدقة لا تنقص المال، بل تزيده.

ولهذه الزيادة أوجه ذكرها العلماء، فمنها: أنه يبارك له فيما بقي من ماله، فينتفع به أكثر مما لو لم يتصدق.

ومنها: أن الله يخلف عليه رزقًا يساوي -أو يزيد- على ما تصدق به.

ومنها: أن ما يذخره الله للعبد من الثواب في الآخرة، لا يقارن به ما بذله من المال اليسير في الدنيا، قال الله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة:261}، جاء في سبل السلام للعلامة الصنعاني -رحمه الله-: (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ عَدَمَ النَّقْصِ بِمَعْنَيَيْنِ:

(الْأَوَّلُ): أَنَّهُ يُبَارِكُ لَهُ فِيهِ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْآفَاتِ، فَيُجْبَرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ.

(وَالثَّانِي): أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالثَّوَابِ الْحَاصِلِ عَنْ الصَّدَقَةِ جُبْرَانُ نَقْصِ عَيْنِهَا، فَكَأَنَّ الصَّدَقَةَ لَمْ تُنْقِصْ الْمَالَ؛ لِمَا يَكْتُبُ اللَّهُ مِنْ مُضَاعَفَةِ الْحَسَنَةِ إلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ.

قُلْت: وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُفُهَا بِعِوَضٍ يَظْهَرُ بِهِ عَدَمُ نَقْصِ الْمَالِ، بَلْ رُبَّمَا زَادَتْهُ، وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]، وَهُوَ مُجَرَّبٌ مَحْسُوسٌ. انتهى.

ولا يتعين أن يكون ذلك الخلف عشرة أضعاف ما أنفق، بل الله أعلم بمقادير ثوابه، وأجره الذي يسوقه للعباد.

والمقصود أن في الصدقة خيرًا كثيرًا، وأن المتصدق ينتظر الخلف من الله تعالى، كما ينتظر البركة فيما بقي من ماله.

ومما يدل على حصول الخلف للمتصدق: ما في الصحيحين عن أَبي هريرة بلفظ: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا.

فعلى المسلم أن يجتهد في الصدقة، والبذل؛ ابتغاء مثوبة الله تعالى، موقنًا أن الله يخلف عليه، غير أن هذا الخلف لا يتعين أن يكون بعشرة أضعاف ما أنفق، كما ذكرنا، فقد يزيد على هذا، وقد ينقص، بحسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني