الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماهية رؤية المؤمنين لربهم في الجنة

السؤال

هل صحيح أن أهل الجنة لن يروا الله كاملًا، وسيرون وجهه فقط؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فكلمة (كاملًا) هذه لا تصح في هذا السياق، فأهل السنة وإن كانوا يثبتون رؤية أهل الجنة لله تعالى، لكنهم ينفون إدراك الأبصار له سبحانه، والإحاطة به علما، لقوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103] وقوله عز وجل: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110] وراجع في ذلك الفتاوى: 2426، 48052، 128832.

كما ينفون أيضا: العلم بكيفية حصول هذه الرؤية، ولذلك قال الطحاوي في عقيدته: والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا. اهـ.

قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: "بغير إحاطة ولا كيفية" هذا لكمال عظمته وبهائه - سبحانه وتعالى، لا تدركه الأبصار ولا تحيط به، كما يُعلَم ولا يحاط به علما. قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} وقال تعالى: {ولا يحيطون به علما}. اهـ.
وقال في موضع آخر: المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به، فقوله: {لا تدركه الأبصار} يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به، فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا} فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالرب تعالى يرى ولا يدرك، كما يعلم ولا يحاط به علما ... بل هذه الشمس المخلوقة لا يتمكن رائيها من إدراكها على ما هي عليه. اهـ.

وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن سماك، عن عكرمة أنه قيل له: {لا تدركه الأبصار}، قال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى. قال: فكلها ترى؟!
وأورد ابن كثير عن قتادة في قوله {لا تدركه الأبصار} قال: "هو أعظم من أن تدركه الأبصار". وعن عطية العوفي في قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة} قال: "هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم. فذلك قوله: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}". اهـ.
وعبارة الطحاوي :بغير إحاطة ... وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه. تشبهها عبارة شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: كما يشاء الله سبحانه. عندما قال: يرونه سبحانه وهم في عرصات القيامة، ثم يرونه بعد دخول الجنة، كما يشاء الله سبحانه.

قال ابن عثيمين في شرح الواسطية: قوله: "كما يشاء"؛ يعني: يرون الله كما يشاء سبحانه وتعالى في كيفية رؤيتهم إياه، وكما يشاء الله في زمن رؤيتهم إياه، وفي جميع الأحوال؛ يعني: على الوجه الذي يشاؤه الله عزَّ وجلَّ في هذه الرؤية. وحينئذ، فإن هذه الرؤية لا نعلم كيفيتها؛ بمعنى أن الإنسان لا يعلم كيف يرى ربه، ولكن معنى الرؤية معلوم، أنهم يرون الله كما يرون القمر، لكن على أي كيفية؟ هذه لا نعلمها، بل كما يشاء الله. اهـ.

وقال الغنيمان في شرح الواسطية: قوله: (كما يشاء) يعني أن الكيفية غير معلومة، وإنما يجب أن يعلم أنهم يرون وجهه. اهـ.

وحتى رؤية وجهه سبحانه وتعالى هي الأخرى لا نعلم كيفيتها، ولا يقدر قدر الله -عز وجل- ووجه الكريم إلا هو!

وعلى ذلك، فسؤال السائل لا يصح طرحه مع الجهل بكيفية الرؤية، وينبغي أن نقف مع نصوص الشرع حيث وقفت، وننتهي حيث انتهت، وما أنفع ما قاله سعيد بن جبير: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع. رواه مسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني