الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوبة من سبّ الجيران

السؤال

كنت أقوم بإطعام قطط لوجه الله في الشارع، فأكرهني الجيران على ترك هذا الأمر، ورضخت لهم، إلا أن قطتين تبعاني إلى منزلي، فكنت أدخلهما إلى شقتي، وأطعمهما، ثم أخرجهما، فلم يتركا المنزل مع أني أقوم بطردهما خارج المنزل بعد إطعامهما؛ لكي لا يضايقا الجيران.
وبسبب خوف الأشخاص من الفيروس المنتشر حاليًّا، وصل الأمر بهم لدرجة أنهم قاموا بقول الله: "حسبي الله" عليّ أنا وأمي، وسمعتهم؛ لأننا نطعم القطط في شقتنا، فعزمت على طرد القطط، والرضوخ لهم؛ للبعد عن سبّهم لنا، وبعد أن قمت بالتوقف عن إطعامها، قمت بالتنظيف يوميًّا أمام منزلي ومنزل الجيران؛ إلا أني فوجئت بأحداث عديدة، منها: وقوف الجيران في استهزاء بجوار الباب، وسخريتهم من قطة واقفة تريد الطعام بصوت عال، وضحك، وهذا الشيء استفزني؛ مما دفعني إلى الخروج أمام عتبة شقتي، والقول لوالدتي بصوت عال: إننا لا نطعم القطط، وإننا طردناها، وإننا لا نريد أن نتعامل مع سيدات بأخلاق قذرة، ولكني قلت لفظًا أكثر بشاعة، وأمّي استنكرت هذا الكلام، وأنَّبتني، وأنا أول مرة في حياتي أسب شخصًا، ولم أكن أنوي السباب أبدًا، وأقسم بالله إني لا أُكنّ في قلبي كًرهًا لشخص؛ إلا أن استفزاز هذه السيدة جارتي، وتَعَمُّدِها عدم التنظيف المشترك لسلالم المنزل، وإلقائها بالمسؤولية عليَّ، ووقوفها باستهزاء بجوار الباب للسخرية من قطة صغيرة، لا يتعدى عمرها الشهور، عدا قيامها بسبّنا قبل هذه الواقعة من جوار الحائط؛ لأننا لا نختلط كثيرًا؛ قد أصابني بصدمة، فقد رضخت لهم، ومع ذلك لم أسلم من أذى لسانهم، فهل يغفر لي الله مسبتي؟ علمًا أني أعلم أنها مسبّة شنيعة، ولا يليق بمسلمة أن تقولها، وأنا لا يهمني إلا أن لا أكون منافقة مع الله؛ حتى في معاملتي مع من يؤذيني.
أنا لا أريد أن أظهر بمظهر المظلومة، وأن من حولي هم الأشرار، ولكني أقوم بتوضيح الرؤية بشكل كامل، فأنا أخطأت في حق الله، وفي حق الجار، حتى لو كان جارًا سيئًا، إلا أن هذا لا ينفي خطئي، فهل يقبل الله توبتي، دون أن أضطر إلى أن أتعامل معها؟ وهل يجب أن أتحللها؟ علمًا أنها قامت بسبّنا أكثر من مرة بشكل غير مباشر من خلف باب المنزل؛ لرفضنا الاختلاط، كما قلت سابقًا، وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك.

ومن شروط التوبة من مظالم العباد -كسبِّهم بغير حق-: التحلل منهم بطلب العفو منهم، لأن السب فيه حقان؛ حق لله، فهذا يخرج العبد منه بالندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة إلى مثله.

وأما حق المظلوم، فلا يخرج منه الساب إلا بالتحلل، وطلب العفو.

وسوء العلاقة بينك وبين جارتك، لا يسقط عنك وجوب التحلل منها، إن سببتها بغير حق.

لكن إن كان سبك لها قصاصًا منها بقدر سبّها لك، أو كانت هي قد اقتصّت منك بأن ردّت عليك السب بمثله، أو أشد؛ فحينئذ لا حق لها عليك، جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المستبّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم. أخرجه مسلم.

قال النووي في شرحه: معناه: أن إثم السباب الواقع من اثنين، مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له.

واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبًا، أو قذفًا، أو سبًّا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بـ"يا ظالم"، "يا أحمق"، أو "جافي"، أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف، قالوا: وإذا انتصر المسبوب، استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء، أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى على البادئ: أي: عليه اللوم، والذم، لا الإثم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني