الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الموت المحمود منه والمذموم

السؤال

رضي الله عنكم، وأرضاكم، وأعانكم دومًا على الخير.
أنا طالبة في العام الأخير من كلية الهندسة، وكل ما حولي يشعرني بأن الموت يقترب أكثر فأكثر، وأنا لم أفعل شيئًا، وأشعر بالخوف، ولكني لا أترجمه إلى عمل، فهلّا نصحتموني ببضعة أعمال وأمور أواظب عليها، علّها تُكتَب لي أعمالًا صالحة تجبُّ ما قبلها، فأنا في حاجة إلى الرجوع قبل الموت، والعمل للنجاة من النار، واستغلال هذه الأوقات. جزاكم الله خيرًا، ورضي عنكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالخوف من الموت شيء طبيعي؛ لأنه مصيبة من المصائب، كما قال الله تعالى فيه: فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ {المائدة:106}.

وتذكره، والاستعداد له، أمر مطلوب شرعًا؛ لما في الحديث: أكثروا من ذكر هاذم اللذات. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

وفي الحديث: أكثروا ذكر هاذم اللذات ـ الموت ـ؛ فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش، إلا وسّعه عليه. رواه البيهقي، وحسنه الألباني.

وقال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت، أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.

ومن نسي الموت، عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة. اهـ.

ولكن هذا التذكر، وهذا الاستعداد لا ينبغي أن يوصل صاحبه إلى مرحلة الهوس، والخوف غير المحمود الذي يجعل صاحبه معطلًا عن العمل، تاركًا للسعي في مصالحه الدنيوية، بل لا بدّ من الاعتدال والموازنة بين الأمرين.

واعلمي أن الموت ليس أقرب لأحد من أحد، بل هي آجال محددة، كتبها الله قبل أن يخلق الخلق، لا يتقدم المرء عليها بسبب مرض، أو كبر سن، ولا يتأخر عنها بسبب شباب، أو صحة، وما أصدق قول القائل:

وكم صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر

وأصدق من ذلك قول الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {الأعراف:34}.

والذي ننصحك به هو: الاعتدال في أمرك كله، وأقبلي على الدراسة، ولا تضيعي وقتك في الأشياء الجانبية الأخرى، فليكن جهدك ووقتك للدراسة؛ فإن من جَدَّ وَجَدَ، ومن زرع حصد، فالمسلم يأخذ بالأسباب، وبسنن الله تعالى في هذا الكون التي لا تحابي أحدًا، ثم بعد ذلك يكل الأمر إلى الله تعالى، ويعتمد عليه.

وأما بالنسبة للأعمال الصالحة التي يمكنك القيام بها:

فأولًا وقبل كل شيء عليك بالواجبات الدينية من العبادات، وغيرها، كالصلاة، والصيام، وبر الوالدين، فهذا أولى وأحب ما يتقرب به إلى الله تعالى، فقد جاء في الحديث القدسي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه. رواه البخاري.

ثم خذي من الأعمال المندوبة ما تقدرين عليه؛ مما لا يؤثر على دراستك، وخاصة أنك في السنة الأخيرة.

وعليك بكثرة ذكر الله، كلما سنح لك الوقت، فهو طمأنينة للقلب، وراحة للنفس، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من كثرت عليه شرائع الإسلام أن يلزم الذكر، فعن عبد الله بن بسر -رضي الله عنه-، قال: لما شكا الرجل حاله، قال: يا رسول الله! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بأمر أتشبَّثُ به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله. رواه الترمذي، وصححه الألباني.

وبيّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل ذكر الله تعالى، فقال: ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورِق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: وما ذاك -يا رسول الله-؟ قال: ذكر الله. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني