الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية للذهول عند موت القريب وعدم توقعه

السؤال

خطيبي توفي من أسبوع فجأة بأزمة، وكنت أتحدث معه حتى آخر لحظة، ولم يكن يشعر بشيء، وعند سماع الخبر كنت أبكي وأردد: كذابين، كذابين، ولم أصدق ما يقال، ولكن بعد قليل صرت أردد: الحمد لله، الحمد لله، ولكن لم أقل: إنا لله، وإنا إليه راجعون، إلا بعد كم ساعة.
سؤالي: هل أعتبر خاطئة في ردة فعلي؟ وهل يعاقبني الله، ولا يحسبني مع الصابرين؟ لأنني سمعت حديث المرأة التي كانت تبكي عند القبر، وقالت للرسول: إليك عني. علما بأنني من وقتها لزمت الاستغفار، وقراءة القرآن.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يأجرك في مصيبتك، وأن يخلف عليك خيرا مما أخذ منك، وأن يرحم خطيبك، وسائر موتى المسلمين، وأن يرزقك الصبر على فقده.

ولا شك أن أكمل الصبر، ما كان عند الصدمة الأولى، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: الصبر عند الصدمة الأولى. متفق عليه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-. وفي رواية: إنما الصبر عند الصدمة الأولى.

قال النووي -رحمه الله-: معناه الصبر الكامل الذي يترتب على الأجر الجزيل لكثرة المشقة فيه، وأصل الصدم: الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازا في كل مكروه حصل بغتة. انتهى

وقال ابن حجر في (فتح الباري): إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر. اهـ.

وما وقع منك تكذيب الخبر، فنرجو أن لا يحرمك أجر الصابرين، خاصة أنك بادرت بالحمد، ثم بعد ذلك استرجعت، فتكذيبك للخبر كان ردة فعل طبيعية، ما لبثت أن فقت منها، وقلت ما أمرت به من حمد الله والاسترجاع، فلم تقولي ذلك - فيما يظهر - من باب التسخط على القدر، وإنما من باب الذهول، وهول الأمر، وعدم توقعه، وقد وقع مثل ذلك لجماعة من الصحابة عند وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال ابن رجب -رحمه الله-: لما توفي -صلى الله عليه وسلم- اضطرب المسلمون، فمنهم من دهش، فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانُه، فلم ينطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية، وقال: إنما بعث إليه كما بعث إلى موسى، وكان من هؤلاء عمر، وبلغ الخبر أبا بكر، فأقبل مسرعا حتى دخل بيت عائشة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجى، فكشف عن وجهه الثوب، وأكب عليه، وقبل جبهته مرارا، وهو يبكي، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها. ثم دخل المسجد -وعمر يكلم الناس، وهم مجتمعون عليه-، فتكلم أبو بكر، وتشهد، وحمد الله، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر، فقال: "من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت"، وتلا: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران: 144] الآية، فاستيقن الناس كلهم بموته، وكأنهم لم يسمعوا هذه الآية من قبل أن يتلوها أبو بكر، فتلقاها الناس منه، فما يُسمع أحد إلا يتلوها. انتهى من لطائف المعارف.

ولمزيد من الفائدة انظري الفتاوى التالية أرقامها: 109553، 322951، 61485، 292390 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني