الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقبل توبة العاصي بعد إصابته بمرض لا شفاء منه كالإيدز؟

السؤال

إذا كان الرجل مسرفًا على نفسه، ولم يتب، ثم جاءه مرض قريب من الموت، ولا أمل له في الشفاء منه؛ كالسرطان، أو الإيدز -والعياذ بالله-، فأراد أن يتوب بعد هذا المرض، فهل تقبل توبته، أم إنه داخل في قول الله تعالى: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن..."؟ وهل حكم المرض الخبيث حكم الموت؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن التوبة الصادقة تقبل من المريض إذا وقعت قبل بلوغ الروح الحلقوم، ولو كان ذلك في المرض المخوف، أو في حال الاحتضار؛ ومما يدل لذلك: قبول إسلام المريض، فيما رواه البخاري، وغيره عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه، فقال: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. وثبت في الصحيحين أنه عرض على عمّه الإسلام في مرضه الذي مات فيه.

وروى أحمد، والترمذي، وغيرهما عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. قال الترمذي: حديث حسن غريب. ومعنى الغرغرة: بلوغ الروح الحلقوم، والوصول إلى حد لا تتصور بعده الحياة، قال ابن علان: (إن الله عزّ) جدّه (وجلّ) شأنه (يقبل توبة العبد) أي: المذنب المكلف -ذكرًا أو أنثى- كرمًا منه وفضلًا، كما سبق (ما لم يغرغر) أي: تصل روحه حلقومه من الغرغرة: وهي جعل الشراب في الفم، ثم يديره إلى أصل حلقومه، فلا يبلعه، وهذا مأخوذ من قوله تعالى:{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} (النساء:18)، وفسر ابن عباس حضوره بمعاينة ملك الموت، وقال غيره: مراده تيقن الموت، لا خصوص رؤية ملكه... وقال في «فتح الإله» بعد كلام قدمه: والحاصل أنه متى فرض الوصول لحالة لا تمكن الحياة بعدها عادة، لا تصح منه حينئذٍ توبة، ولا غيرها، وهذا مراد الحديث بـ(يغرغر)، ومتى لم يصل لذلك، صحت منه التوبة، وغيرها. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني