الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المراد بعبارة: من مشى مع خصمه وهو له ظالم...

السؤال

أولاد أخي الشقيق الذين حجبوا حصة جديهم -وهما والدا أبيهم- بعد موته، وأخرجوا جدتهم من بيتها الذي كان ملكا لابنها، وتسكن فيه.
وقد بينت لهم حقوق جديهم بالشرع، إلا أن أولاد أخي وأمهم أصروا على أكل حقوقهم، وحجب ميراثهم من ابنهم لسنوات طويلة.
وبعد ممات جديهم طالبناهم نحن أعمامهم وعماتهم بحقوق أمنا وأبينا، فأبوا وأصروا على أكل أموالنا بالباطل.
وقد طلبت منهم اللقاء والمحادثة في هذا الموضوع؛ لبيان الحق. وطلبت منهم سؤال أهل الدين والشرع، ولو أن القانون معهم، فرفضوا.
أنا أحد أعمامهم ومن طالبهم بحقوق والديه، وقدمت لهم الأدلة الشرعية مكتوبة خطياً من دوائر الإفتاء الشرعية المعتمدة، وفيها نص السؤال والجواب، وما يطابق الحقيقة والشرع، ولو أن القانون لصالحهم؛ لأنهم حصلوا على حصر إرث من المحكمة التي حكمت لهم أن أباهم مفقود وهم يعلمون أن أباهم متوفى، بشهادة شهود.
طلبت زيارتهم؛ فرفضوا أيضا مقابلتي، خوفاً من مطالبتي لهم بحقوقي وحقوق إخوتي وأخواتي. مع أنني أعلمتهم أنني لا أقطع رحمي بهم وسأصله كما أمر الله ورسوله، ولو كان هذا الوصل كسفِّ الرمل.
الآن هناك من يطالبني من إخوتي وأخواتي -وهم أصحاب حق- أن أقدم لأولاد أخي عهدا أنني لن أفتح معهم هذا الموضوع المتعلق بالميراث نهائياً، حتى يبقى لنا اتصال معهم، ونزورهم ويزوروننا -وبيننا حق قسمه الله لنا لا لهم، وهم أكلوه علينا باطلاً- فكيف ستستقيم هذه العلاقة وإظهار الحب أو التراحم وصلة الرحم، وأنت تعرف أنها غير صادقة، وقريبة من النفاق والتمثيل الذي لا أقدر عليه؟ نعم، أنا لا مانع عندي من أن أسلم عليهم إذا رأيتهم؛ لأنهم ليسوا في نفس البلد الذي أقطن فيه، وأن أبارك لهم، أو أعزيهم في المناسبات، وهذا حصل، وأن أقضي أنا وإخوتي حاجتهم إذا سألونا ذلك، وهذا قد حصل مراراً، وأنا مستعد أن أزورهم إذا مرضوا إن قبلوا زيارتي، وإذا ماتوا قبلي أن أحضر جنازتهم.
فالسؤال الآن الذي أريد من فضيلتكم الإجابة عليه؛ لأبين جوابه لإخوتي الكبار: هل يجوز أن أعطي لأولاد أخي هذا العهد: أنني لن أطالبهم بحقي وحق إخوتي، وسأسكت عن هذا الطلب الشرعي الذي أفتى به العلماء المسلمون، مقابل أن أبني معهم علاقة قائمة على النفاق والكذب. وأنا أعلم أنني على حق، بدليل كلام أهل الذكر، والقرآن والفتاوى الشرعية التي وصلتهم مني، فضلا عن أن هذا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ومن مشى مع خصمه وهو له ظالم، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق.
أفتونا في ذلك، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتنازلك عن حقّك لأبناء أخيك، ومعاهدتهم ألا تطالبهم به؛ أمر جائز، وليس من الإقرار على الباطل. أمّا حقّ إخوتك، فلا تملك إسقاطه.
واعلم أنّ المداراة والمجاملة تكلفاً بغرض الإصلاح ودفع السيئة بالحسنة؛ ليس من النفاق أو الكذب والخداع، ولمعرفة الفرق بين النفاق والمجاملة. راجع الفتويين: 75660، 26817.
وأمّا عبارة : "من مشى مع خصمه وهو له ظالم، فهو آثم حتى يرجع إلى الحق" فالمراد بها تخويف الظالم الذي يعرف أنّ الحقّ ليس له، من رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم له بغير حقّ، مع أنّ حكم الحاكم لا يحلّ له الحرام.

جاء في تفسير الطبري: عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلِهِ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188]، وَكَانَ يُقَالُ: «مَنْ مَشَى مَعَ خَصْمِهِ وَهُوَ لَهُ ظَالِمٌ؛ فَهُوَ آثَمٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ. وَاعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا، وَلَا يُحِقُّ لَكَ بَاطِلًا، وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى، وَيَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ، وَالْقَاضِي بَشَرٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ قَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقَضِ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِي عَلَى الْمُبْطَلِ لِلْمُحِقِّ، وَيَأْخُذُ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ فِي الدُّنْيَا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني