الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين حديث: "أعددت لعبادي ما لا عين رأت.." وما ورد في وصف الجنة

السؤال

كيف نوفق بين وصف القرآن الكريم للجنة، وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد جاء في الحديث المتفق عليه, واللفظ للبخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).

وقد نبّه بعض أهل العلم على التوفيق بين هذا الحديث, وبين ما ورد من وصف الجنة، يقول الصنعاني في التَّنوير شَرْحُ الجَامِع الصَّغِير: (أعددتُ) من الإعداد وهو تأهيب الشيء لمن بعد له، وفيه دليل على خلق الجنة، وتكرر في القرآن: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] (لعبادي الصالحين) القائمين بما أمروا به. (ما لا عين رأت) أي: لم تره عين من العيون كلها. (ولا أذن سمعت) أي: سمعت وصف ما أعد حقيقة، وإن وصفه تعالى في كتابه، ووصفت الرسل، فهو عند الحقيقة فوق ذلك، ويحتمل أن المراد ما لا عين رأت من المبصرات، ولا أذن سمعت من الأصوات، والنغمات الطيبات. اهـ.

وفي طرح التثريب للعراقي: معناه: أن الله تعالى ادّخر في الجنة من النعيم، والخيرات، واللذات ما لم يطّلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق، فذكر الرؤية والسمع؛ لأنه يدرك بهما أكثر المحسوسات، والإدراك بالذوق، والشم، واللمس أقل من ذلك، ثم زاد على ذلك أنه لم يجعل لأحد طريقًا إلا توهّمها بفكر وخطور على قلب، فقد جّلت وعظمت عن أن يدركها فكر وخاطر، ولا غاية فوق هذا في إخفائها، والإخبار عن عظم شأنها على طريق الإجمال دون التفصيل. قال أبو العباس القرطبي: وقد تعرض بعض الناس لتعيينه، وهو تكلف ينفيه الخبر نفسه؛ إذ قد نفى علمه، والشعور به عن كل أحد.

إن قلتَ: روى أبو داود، والترمذي، وصححه، وغيرهما من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الجنة، أرسل جبريل إليها، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها، فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحفّت بالمكاره، فقال: ارجع إليها، فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فرجع إليها، فإذا هي قد حفّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزتك، لقد خفت أن لا يدخلها أحد».

فقد دل هذا الحديث على أن الله تعالى قد أطلع جبريل -عليه السلام- على ما أعد لعباده فيها، فقد رأته عين.

(قلت): الجواب عنه من أوجه:

(أحدها): أنه تعالى خلق فيها بعد رؤية جبريل -عليه السلام- أمورًا كثيرة، لم يطّلع عليها جبريل، ولا غيره؛ فتلك الأمور هي المشار إليها في هذا الحديث.

(ثانيها): أن المراد بالأعين والآذان: أعين البشر وآذانها؛ بدليل قوله: «ولا خطر على قلب بشر»، فأما الملائكة، فلا مانع من اطّلاع بعضهم على ذلك.

(ثالثها): أن ذلك يتجدد لهم في الجنة في كل وقت، ويدل له ما رواه الترمذي، وابن ماجه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا، في أثنائه: «ويقول ربنا: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقًا قد حفّت به الملائكة، ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الأذان، ولم يخطر على القلوب، فنحمل لنا ما اشتهينا» الحديث. ولا يمنع من ذلك قوله: «أعددت»؛ لأن هذا لما كان محقق الوقوع نزل منزلة الواقع. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني