الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التصدّق بالبضاعة الراكدة هل يدخل في قوله تعالى: "وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ"؟

السؤال

أخي لديه محل ملابس ومفروشات، ولديه بضاعة مرّت عليها أعوام ولم يشترها أحد، وهو يأتي ببضاعة جديدة كل فترة، وهذه الأخرى لا راغب فيها، وتشغل مكانًا في المحل دون فائدة، وأشار عليه أحد بالتبرع بها للأطفال اليتامى والفقراء؛ فوافق، ولكن في قلبه خوف من أنه بهذا يتيمم الخبيث من ماله في الإنفاق؛ لأنه أخرج بضاعة راكدة عنده، ولم يخرج من البضاعة الحديثة، وليست لديه القدرة على الإخراج من البضاعة الجديدة؛ لأنه غالبًا يشتريها بالدَّين، ويسدد على فترات، فلو أخرج البضاعة الراكدة عنده، فهل يكون متيممًا للخبيث من ماله؟ جزاكم الله خيرًا، ونفع بكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا حرج على أخيك في التصدّق بتلك البضاعة، ويؤجر على صدقته -إن شاء الله تعالى-.

ولا شك أن التصدّق بأفضل ما عنده، أعظم لأجره عند الله تعالى، ولكن الصدقة بغير الأجود ليست محرمة.

ولعل هذا القائل يقصد ما ذكره بعض الفقهاء من أن الصدقة بالرديء مكروهة، ولكن هذه الكراهة تنتفي إذا لم يجد المتصدق غير الرديء، أو لم يتقصده للصدقة خصوصًا، قال زكريا الأنصاري -الشافعي- في «أسنى المطالب في شرح روض الطالب»: وَتُكْرَهُ ‌الصَّدَقَةُ ‌بِالرَّدِيءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:٢٦٧]، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ.

وفي «تفسير الراغب الأصفهاني»: فأما إنفاق ‌الرديء لمن ليس له غير ذلك، أو لمن لا يقصده خصوصًا، فغير مذموم. اهــ.

وقد ذكرنا في الفتوى: 65058 أن الفقهاء قالوا: إنه يسن لمن لبس ثوبًا جديدًا، التصدّق بالقديم، وأن التصدّق بالثوب القديم لا يعدّ من التصدق بالرديء، فانظر تلك الفتوى.

واعلم أن بعض المفسرين ذهب إلى أن المقصود بالخبيث في الآية الحرام، كما قال ابن كثير في تفسيره: وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: {‌وَلا ‌تَيَمَّمُوا ‌الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، أَيْ: لَا تَعْدِلُوا عَنِ الْمَالِ الْحَلَالِ، وَتَقْصِدُوا إِلَى ‌الْحَرَامِ، فَتَجْعَلُوا نَفَقَتَكُمْ مِنْهُ. اهــ.

وعلى كل حال؛ فلا شك أن الصدقة بتلك الثياب أولى من رميها أو ركنها دون فائدة، بل لا يجوز إتلافها مع إمكانية الانتفاع بها؛ لأنه إسراف وتبذير.

فَمُر أخاك بأن يتصدق بها على المحتاجين، وله الأجر -إن شاء الله تعالى-.

وأخيرًا: للفائدة، نحيلك إلى الفتوى: 156253 بعنوان: «هل تزكى البضاعة المخزونة التي لم يتمكن التاجر من بيعها؟».

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني