الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل رد الحقوق لأصحابها شرط لصحة التوبة؟

السؤال

جزاكم الله خيرا.
شيخي معلوم أن المعاصي التي فيها حق للناس يتعلق بها حقان: حق لله تعالى، وحق للشخص المظلوم.
إذا عملت معصية فيها حق لشخص ما، ثم قررت أن أتوب، فحققت شروط التوبة جميعها إلا شرط الاستحلال، أو أداء الحق لهذا الشخص -سواء بعذر أو بدون عذر- أيسقط حق الله تعالى، ويبقى حق الشخص؟
يعني يوم القيامة أحاسب فقط على حق الشخص؟ بحيث إذا سامحني تبرأ ذمتي تماما.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف العلماء هل رد الحق لمستحقه من شروط صحة التوبة، فلا تكون التوبة صحيحة بدونه، ويبقى الشخص إذا لم يرد الحق لمستحقه؛ كأنه لم يتب؟ أم هو واجب مستقل تصح التوبة بدونه، ويجب عليه المبادرة بأداء ذلك الحق على قولين بيناهما في الفتوى: 149083.

فمن قال من العلماء إن رد الحق واجب مستقل: فعليه يسقط حق الله تعالى بالتوبة، ويأثم فقط، ويحاسب على ما تعلق بحق الآدمي.

ومن قال إنها شرط في صحة التوبة: لم يسقط حق الله تعالى، حتى يؤدي الحق لمستحقه.

قال الشهاب الألوسي -رحمه الله في تفسيره: وقال الإمام النووي: التوبة ما استجمعت ثلاثة أمور: أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم عزما جازما على أن لا يعود إلى مثلها أبدا، فإن كانت تتعلق بآدمي لزم رد الظلامة إلى صاحبها أو وارثه أو تحصيل البراءة منه، وركنها الأعظم الندم. وفي شرح المقاصد قالوا: إن كانت المعصية في خالص حق الله تعالى، فقد يكفي الندم كما في ارتكاب الفرار من الزحف، وترك الأمر بالمعروف، وقد تفتقر إلى أمر زائد كتسليم النفس للحد في الشرب، وتسليم ما وجب في ترك الزكاة، ومثله في ترك الصلاة.

وإن تعلقت بحقوق العباد لزم مع الندم والعزم إيصال حق العبد، أو بدله إليه، إن كان الذنب ظلما كما في الغصب والقتل العمد، ولزم إرشاده إن كان الذنب إضلالا له، والاعتذار إليه إن كان إيذاء كما في الغيبة إذا بلغته، ولا يلزم تفصيل ما اغتابه به، إلا إذا بلغه على وجه أفحش، والتحقيق أن هذا الزائد واجب آخر خارج عن التوبة- على ما قاله إمام الحرمين- من أن القاتل إذا ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحت توبته في حق الله تعالى وكان منعه القصاص من مستحقه معصية متجددة تستدعي توبة ولا يقدح في التوبة عن القتل، ثم قال: وربما لا تصح التوبة بدون الخروج من حق العبد كما في الغصب ففرق بين القتل والغصب، ووجهه لا يخفى على المتأمل. انتهى

وبكل حال، فالتوبة واجبة على الفور، ورد الحق إلى مستحقه واجب على الفور، وكونه من شروط صحة التوبة هو قول كثير من أهل العلم، كما رأيت، فيخشى على من هذا شأنه ألا تكون توبته مقبولة بمرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني