الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استحباب الانفصال عن الزوج الفاسق

السؤال

أولا: أحب أن أشكركم جزيل الشكر على مجهودكم العظيم، جعله الله في ميزان حسناتكم.
ثانيا: ومن ثقتي الكبيرة فيكم أطرح مشكلتي:
أبلغ من العمر 49 سنة، تزوجت، وأنجبت ولدا وبنتا، وانفصلت عن أبيهم، وعمرهم سبع سنوات تقريبا، وتحملت مسؤوليتهم كاملة، وقابلت رجلا توسمت فيه الرجولة، وطلبت منه بالنص أن يستر عليَّ، ويحميني من الرجال؛ لأن طبيعة عملي أقابل رجالا كثيرين، وكنت أواجه معاكسات، وتحرشا لفظيا، أو بالنظر منهم، فطلبت منه أن يتزوجني، ووافق، وقال إنه أحبني، وتعاهدنا على الصراحة، وعدم الخيانة، وبعد فترة صغيرة اكتشفت أن له علاقات مع نساء كثيرة، ومدمن أفلام إباحية، ويتعاطى الحشيش، وقريبا بدأ يأخذ ليريكا، وحاولت مرارا أن أتحدث معه أن يبتعد عن كل ما سبق، حتى أني سأنسى الخيانة، ونبدأ صفحة جديدة، وكان يعدني، لكن بعد فترة اكتشف أنه كان يهاودني، ويكذب عليَّ.
وآخر شيء حدث أني اكتشفت أنه سافر لمصر للقاء عشيقته، وكانت بالصدفة، رأيت جواز السفر، وفتحته، ورأيت الأختام، وهذه كانت صدمة قوية جدا، وتحدثت معه بكل هدوء أن يتركني وشأني، أرجع إلى بلدي بهدوء، لكنه عاملني ببرود، وقال: اقعدي بعض الوقت لعلك تجدين شغلا، وصراحة أحسست أني رخيصة جدا، وتوجهت إلى الله أشكو له، وطلبت منه أن أفتح المصحف، والآية التي تقع عيني عليها ستكون رسالة من ربي لي، وفتحت المصحف، فوجدت الآية 29 من سورة النجم.
سؤالي: هل الآية تؤكد لي أن أتركه؟
والسؤال الثاني: أنا تعبانة نفسيا جدا، وأريد أن أرتاح، ولا أعلم كيف، فلا أستطيع أن يلمس جزءا مني، ومع ذلك غير ممتنعة، وهو حاسٌّ بي، وأصبح لا يقترب مني. فكرت أن أسافر بدون علمه، وأبلغه بسفري، وأنا في الطائرة.
أعتذر عن الإطالة، ولكن يعلم الله بحالي.
يمكن حضراتكم تقولون نزول مصر عادي، وليس خيانة، سأقول لكم: لا؛ لأنه توجد قصة في مصر، وأحداث كثيرة، لا أستطيع أن أكتبها، وأوضحها، لكن هذا يقين، وليس شكًّا.
ملحوظة: أنا زوجة ثانية.
شكرا جزيلا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله العلي القدير أن يجعل لك من كل هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية.

ونوصيك بالالتجاء لربك سبحانه، والانكسار بين يديه، فهو من يجيب دعوة المضطر، ويكشف الضر، فقد قال في محكم كتابه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وراجعي الفتوى: 119608. ففيها بيان آداب الدعاء، وشروطه، وأسباب إجابته.

وإن كان هذا الرجل على هذه الحال من الفسق، فهذا يعني أنك قد وقعت في مصيدته وخدعته، والشرع قد أوضح أسس اختيار الزوج، وأهمها أن يكون صاحب دين وخلق، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

وإذا لم يتب إلى الله -عز وجل- ولم يستقم على أمر الله؛ ففراق مثله مستحب؛ سواء بالطلاق أم بالخلع.

قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحبُّ لها أن تختلع منه؛ لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.

وما قمت به من أمر فتح المصحف طلبا للخيرة؛ لا أساس له في الشرع، وسبق تفصيل القول فيه في الفتوى: 60721. والمشروع استخارة رب العالمين على الوجه الذي جاء به الشرع، وقد بينا كيفية الاستخارة، وشيئا من آدابها، وأحكامها في الفتويين: 4823، 123457.

والاستخارة تكون في المباح، وأما المستحب؛ فلا يستخار في أصله، لكن يمكن الاستخارة في الوقت الذي يمكن فعله فيه مثلا، وراجعي الفتوى: 79239، وفراقك هذا الرجل مستحب؛ كما أسلفنا.

ولا يجوز لك السفر دون إذنه وعلمه، فمجرد خروج المرأة من بيتها بدون إذن زوجها ممنوع شرعا، فمن باب أولى سفرها، وراجعي الفتوى: 380581.

وقد يكون سفرك بدون علمه سببا في تعقيد مشكلتك، ولكن اجتهدي في إقناعه بالطلاق، واستعيني ببعض من لهم مكانة عنده، فإن اقتنع، فالحمد لله؛ وإلا فارفعي أمرك للمحكمة الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني