الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استحباب تَطْييبِ نفس ‌المريضِ والتنفيس له في الأجل

السؤال

أحد الأفراد أصيب والده بمرض السرطان، وكان في نهاية المرض، وقال الأطباء لابنه: إن والدك في آخر أيام حياته، وسوف يموت.
قالوا ذلك استنادا إلى ما عندهم من خبرة بمراحل المرض.
سأل الأب ابنه: ماذا قال لك الطبيب؟ هل قال لك إنني سوف أموت أم لا؟ أخبرني بالحقيقة حتى أستعد، وأرتب حالي. لكن ابنه لم يخبره بالحقيقة وقال له إنك بصحة جيدة ولا مشكلة، ولكن الوالد توفي بعد ذلك بسبب المرض.
السؤال: ما فعله الابن مع والده من عدم إخباره بقرب موته بسبب المرض. هل يتوافق مع الشرع والدين في عدم إخباره بقرب موته؛ لأن ابنه كان يرى أن الحالة النفسية للمريض مهمة لعلاجه، فلو أخبره أنه سوف يموت، فمن الممكن أن تتدهور حالته أكثر؟
أم من الناحية الشرعية كان يجب على الابن أن يخبر والده بما قاله الأطباء، حسب الخبرة لديهم بقرب أجله وموته، حتى يستعد للقاء الله -عز وجل- ويتوب ويستغفر، ويرد الحقوق، ويوصي، ويرتب حاله للقاء الله -عز وجل- مع العلم أن الأعمار بيد الله -عز وجل- وليس كلام الأطباء إعلاما بالغيب، إنما ذلك من الخبرة السابقة بمراحل المرض، وقد يشفى ولا يموت، إنما قالوا ذلك بحسب ما رأوه أمامهم من الأسباب؟
ما هو الحكم الشرعي المطلوب فعله في مثل هذه الحالة: يخبره، أم لا يخبره؟
وجزاكم الله -عز وجل- خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل وجوب طاعة الوالد بإجابته عما يسأل عنه، ولكن إن خيف عليه زيادة المرض -كما ذكر في السؤال- فإنه لا حرج في عدم إخباره بحقيقة مرضه، ولا شك أن الإنسان بطبعه يتأثر نفسيا إذا أصابه الشر فتجده يجزع وييأس ويقنط، كما قال الله تعالى: وَإِذَا ‌مَسَّهُ ‌الشَّرُّ كَانَ يَـُٔوساً. [الإسراء: 83-84]، واليؤوس: شديد اليأس، وكما قال تعالى: وَإِن ‌مَّسَّهُ ‌ٱلشَّرُّ فَيَـُٔوسٌ قَنُوطٌ. [فصلت: 49]، وكما قال تعالى: إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا ‌مَسَّهُ ‌ٱلشَّرُّ جَزُوعاً. [المعارج: 19-20].

فربما كان إخباره بقرب الموت مدعاةً لزيادة الجزع واليأس والقنوط، فكان من الحكمة كتمانه عنه، والمطلوب شرعا التخفيف عن المريض وتطييب نفسه، لا غَمُّه بمثل هذا الخبر. وقد جاء عند الترمذي وابن ماجه بسند ضعيف: إِذَا ‌دَخَلْتُمْ عَلَى ‌المَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ.

قال النووي في «الأذكار» في «‌‌باب استحباب تَطْييبِ نفس ‌المريضِ» بعد ذكره للحديث السابق: ويغني عنه حديث ابن عباس السابق في باب ما يُقال للمريض: " لا بأسَ، طَهُورٌ إنْ شاء الله".اهــ.
وعند البيهقي في الشعب بسند ضعيف -أيضا-: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَرِيضٍ فَلْيُصَافِحْهُ، وَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَلْيَسْأَلْهُ كَيْفَ هُوَ، وَلْيُنْسِئْ لَهُ فِي الْأَجَلِ. اهــ.
قال ابن مفلح -الحنبلي- في «الآداب الشرعية والمنح المرعية» عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع المريض: كَانَ يَتَلَطَّف بِالْمَرِيضِ فَتَارَةً يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَتَارَةً تَوَضَّأُ وَصَبَّ عَلَيْهِ وُضُوءَهُ، وَتَارَةً يَسْأَلُهُ عَنْ حَالِهِ وَعَمَّا يَشْتَهِيهِ، وَيُعَلِّمُهُ دُعَاءً يُوَافِقُهُ. اهــ.
وأما ما يرجى من وصيته واستغفاره واستعداده للموت، وتقربه إلى الله -تعالى- بالأعمال الصالحة. فيمكن تحقيقه بغير إخباره بالمرض، فيمكن أن ينبه، بل يحث على كتابة وصيته وعلى فضل التقرب إلى الله بأعمال الخير والمسارعة في ذلك، وبوجوب قضاء الديون وأداء الحقوق إلى أهلها والترهيب من ترك ذلك. وهذه الأمور كلها مطلوبة أصلا من الشخص الذي هو في كمال صحته وعافيته، فضلا عمن به أدنى مرض، وراجع الفتوى: 129578.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني