الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسباب تمسك من أسلم حديثا بالدين أكثر ممن ولد على الإسلام

السؤال

لماذا نجد الذين أسلموا حديثا من الغرب أكثر إيمانا، وثباتا، وحبا، وإقبالا، وتضحية، ودفاعا، وتمسكا، وطاعة، وبعدا عن المعصية من المسلمين الذين ولدوا مسلمين، وعاشوا مع المسلمين؟
وجزاكم الله -عز وجل- خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا القول ليس على إطلاقه، فإن من المسلمين الأصليين من هم -والحمد لله- متمسكون بعُرَى الدين، ويوجد كذلك ممن يسلمون حديثا من يكونون ضعيفي الديانة، لكن لا ينكر وجود كثير من حديثي الإسلام ممن عندهم غيرة على الدين، وحب للاستقامة، وجد في سلوك سبيلها، ومرجع ذلك -فيما يظهر- هو أنهم ذاقوا ألم الكفر، وعرفوا خطر الشرك بالله تعالى، واطلعوا من أمر الجاهلية وضررها على ما لم يطلع عليه غيرهم.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كلام يؤيد هذا المعنى الذي ذكرناه. قال -رحمه الله تعالى-:

وما يظنه بعض الناس أنه من ولد على الإسلام، فلم يكفر قط أفضل ممن كان كافرًا فأسلم؛ ليس بصواب، بل الاعتبار بالعاقبة، وأيهما كان أتقى للّه في عاقبته كان أفضل. فإنه من المعلوم أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين آمنوا باللّه ورسوله بعد كفرهم هم أفضل ممن ولد على الإسلام من أولادهم وغير أولادهم، بل من عرف الشر وذاقه، ثم عرف الخير وذاقه، فقد تكون معرفته بالخير، ومحبته له، ومعرفته بالشر وبغضه له؛ أكمل ممن لم يعرف الخير والشر، ويذقهما كما ذاقهما، بل من لم يعرف إلا الخير، فقد يأتيه الشر، فلا يعرف أنه شر، فإما أن يقع فيه، وإما ألا ينكره كما أنكره الذي عرفه.

ولهذا قال عمر بن الخطاب -رضي اللّه عنه-: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. وهو كما قال عمر، فإن كمال الإسلام هو بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتمام ذلك بالجهاد في سبيل اللّه، ومن نشأ في المعروف لم يعرف غيره، فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند من علمه، ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم؛ ولهذا يوجد عند الخبير بالشر وأسبابه إذا كان حسن القصد عنده من الاحتراز عنه، ومنع أهله والجهاد لهم ما ليس عند غيره. ولهذا كان الصحابة -رضي اللّه عنهم- أعظم إيمانًا وجهادًا ممن بعدهم، لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر، لما علموه من حسن حال الإسلام والإيمان والعمل الصالح، وقبح حال الكفر والمعاصي؛ ولهذا يوجد من ذاق الفقر والمرض والخوف أحرص على الغنى والصحة والأمن ممن لم يذق ذلك؛ ولهذا يقال: والضد يظهر حسنه الضد. ويقال: وبضدها تتبين الأشياء. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني