الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب تقديم إطعام الوالدين على الأهل والولد في قصة الثلاثة أصحاب الغار

السؤال

طالعت العديد من الفتاوى يقول العلماء فيها إن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الوالدين، فكيف نوفق بين حديث الثلاثة نفر الذين سدت عليهم الصخرة باب الغار، وبين أقوال العلماء في هذا الشأن؟
وأنا في خلاف حاد حول هذه المسائل مع أبي:
الأولى: ملكية مال الابن، أبي يقول إنه يملك مالي، وأنا قلت له: كيف أوجب الله عليَّ نفقة الوالدين والزوجة؟ وكيف سيحاسبني إذا لم أملك مالي (أي راتبي)؟ لكنه لا يقتنع بكلامي أبدا، ثم أتيت بآية يقول الله تعالى: يَسْـأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ. فكيف يقول الله أنفق على هؤلاء إذا لم أملك مالي؟ عجبا هو لا يقتنع بهذا أيضا. فما الحل؟
الثانية: إذا كان في عُرفنا أنه يجب على الزوجة طاعة والدي الزوج في كل ما يأمران، فهل الطاعة واجبة عليها؟ أم فقط تجب عليها طاعة الزوج فقط؟ وأبي لا يطالع الفتاوى، ولا يسمع المقاطع الصوتية للمشايخ؛ لأنه يظن نفسه أنه هو الصح في كل ما يقوله، ولا يوجد أصح منه، المسألة الثالثة: كيف نحاور هذا الأب المُعجب بنفسه كثيرا؟
أرجو الاجابة على هذه الأسئلة الثلاثة. جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقول أولا إن الأمر على ما ذكرت من أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الوالدين وغيرهما من الأقارب عند التزاحم، وسبق بيان ذلك في الفتويين التاليتين: 65045، 224512. وهذه المسألة يذكرها الفقهاء في حال من ضاقت نفقته عن أن يطعم زوجته ووالديه مثلا، وهذا المعنى واضح فيما نقلناه عنهم في الفتويين اللتين أحلناك عليهما.

وأما حديث الثلاثة أصحاب الغار؛ فصاحب المال المذكور فيه لم يكن على هذه الحال، بل كان ميسورا -فيما يظهر- وعنده من المال ما يستطيع أن ينفق منه على والديه وأهله، وغاية ما فعله هنا هو أنه آثر أن يبر والديه، وأن يقدم كبرهما على صغر الأولاد، فلا يطعم قبلهما أحدا.

قال ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: والمعنى: أنه حينئذ سقيتهما أولا، ثم سقيتهم ثانيا، تقديما لإحسان الوالدين على المولودين لتعارض صغرهم بكبرهما، فإن الرجل الكبير يبقى كالطفل الصغير، ومن لم يصدق بذلك أبلاه الله بما هنالك. اهـ.

ثانيا: إذا اكتسب الابن مالا فهو ملك له. ولا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ما في أخذه ضرر عليه، أو ما تعلقت به حاجة الولد، وحديث: أنت ومالك لأبيك. ليس على إطلاقه، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 46692.

فما تكتسب من مال فهو ملك لك بلا شك، ولكن اعمل على مداراة والدك، والتلطف به بحيث تكسب رضاه، وتتقي سخطه، وتخلص منه بالحسنى إن أراد أن يأخذ من مالك شيئا على وجه يضرُّ بك، ومهما أمكنك بره فافعل. واجتنب الدخول معه في جدال قد تتربت عليه من العواقب ما لا يحمد.

ثالثا: طاعة المرأة والدي زوجها في المعروف أمر حسن، ولكنها ليست واجبة عليها، إذ لا دليل شرعا يلزمها بذلك، ولكن تجب عليها طاعة زوجها في أمور النكاح وتوابعه، كما بيناه في الفتوى: 50343.

رابعا: هذا الأب الموصوف بكونه معجبا بنفسه يبقى أبًا، من حقه على ولده أن يبره، ويحسن إليه، ومن أعظم إحسانه إليه الدعاء له بأن يصلح الله حاله، وينبغي للولد أن يسلط عليه من الفضلاء والمقربين إليه من يرجو أن يقبل نصحه. ولمزيد الفائدة راجع الفتوى 419614.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني