الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر العبادة في حياة المسلم

السؤال

أذكر أنني سمعت أحد الأشخاص يقول لشخص قال له: إنني لا أشعر بشيء حينما أصلي. فرد عليه، وقال: إننا لا نعبد الله لشعور معين، فمن يعبد الله للحال، فليعبد الحال.
فما مدى صحة هذه المقولة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب أن الواجب على كل مسلم أن يعبد الله على كل حال، سواء جمعته العبادة أو فرقته، وسواء ثقلت عليه أو خفت، فعليه أن يقوم بالتكاليف الشرعية غير تارك للعبادة إن لم توجد ثمرتها المرجوة. فإن أريد بهذا الكلام هذا المعنى، فهو حق.

وأما إن أريد به أن العبادات لا ثمرة لها ولا أثر على صلاح القلب، فكلام غير صحيح، فالعبادات وخاصة الصلاة تؤثر في القلب صلاحا، وفي النفس انشراحا، وفي الصدر طمأنينة، وتوجب قرة العين لصاحبها متى أداها على وجهها، وحرص على تكميل شروطها وواجباتها وخشوعها، وكثيرا ما يحرم المصلي هذه الثمرات لإخلاله بهذه الأمور أو بعضها.

وقد تكلم العلماء في الحكمة من التكاليف ومنها الصلاة، فقال بعض الناس هي لمجرد تحصيل الثواب، وهكذا سائر التكاليف إنما شرعت لما فيها من مصلحة المكلف وسعادته ولذة قلبه، ونعيم روحه في الدنيا ثم في الآخرة.

قال المحقق ابن القيم رحمه الله: وأما إلهه الحق فلا بد له منه في كل وقت وفي كل حال، وأينما كان، فنفس الإيمان به ومحبته وعبادته وإجلاله وذكره هو غذاء الإنسان وقوته، وصلاحه وقوامه، كما عليه أهل الإيمان، ودلت عليه السنة والقرآن، وشهدت به الفطرة والجنان، لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان، وبُخِس حظه من الإحسان: إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة، لمجرد الابتلاء والامتحان، أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان، أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان، كما في مقالات من بُخِسَ حظه من معرفة الرحمن، وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان، وفرح بما عنده من زبَدَ الأفكار وزُبالة الأذهان، بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان، وأفضل لذة للروح والقلب والجنان، وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان، والله المستعان، وعليه التكلان.

وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا في بعضها، لأسباب اقتضته لا بد منها، هي من لوازم هذه النشأة. فأوامره سبحانه، وحقه الذي أوجبه على عباده، وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب، ونعيم الأرواح وسرورها، وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها، وكمالها في معاشها ومعادها، بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لمِا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحمةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفضْلِ اللهِ وَبِرحمتِه فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيٌر مِمَّا يجمعُونَ} (يونس: 58-57) إلى آخر كلامه رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني