الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قبل جمع الأحاديث وتدوينها هل كان المسلمون يعملون بها؟

السؤال

قبل أن يقوم البخاري وغيره بجمع الأحاديث، فمن المنطقي أن المسلمين آنذاك لم يكونوا يعملون بتلك الأحاديث؛ لأنها لم يتم جمعها من هنا وهناك، أفليس عدم عملهم بتلك الأحاديث كل تلك الفترة دليل على لزومها شرعًا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعلم والعمل بالحديث النبوي لا يتعلق بتدوينه، وجمعه في كتاب! وإن كان هذا الجمع يسهّل الرجوع إليه، وتعلّمه. وإلا فقد كان المسلمون من عصر الصحابة إلى عصر التدوين يحفظونه، ويعلّمونه، ويعملون به في الجملة، ويتناقلونه في مجالسهم، ويتدارسونه في حِلَق العلم.

وقد كان الواحد منهم يسافر السفر الطويل طلبًا للحديث الواحد، كما قال الصحابي المشهور جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلًا بُهْمًا ... فذكر الحديث. رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، وغيرهما.

والمقصود أن العلم بالسنة النبوية كان مبثوثًا في الأمة، ثم جاء التدوين بعد ذلك؛ لحفظها، وتوثيقها.

والقرآن نفسه ليس بعيدًا عن هذا المعنى، فلم يكن مجموعًا في مصحف واحد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان محفوظًا في الصدور، ومكتوبًا مفرقًا في بعض الصحف، والأكتاف، واللخاف، ثم لما كثر قتل الحفاظ في حروب الردّة، وخُشِي من فقدان شيء منه، جمعه الصحابة -رضي الله عنهم- في مصحف واحد. وراجع في ذلك الفتوى: 17828.

ومن المعلوم أن المسلمين بعد تدوين السنة وجمعها في الكتب: منهم العالم بها، القارئ لهذه الكتب، والحافظ لها، ومنهم من يجهلها رغم جمعها، وسهولة الرجوع إليها، فكذلك كان حالهم قبل الجمع، والتدوين: منهم العالم، ومنهم الجاهل، ولكن العمل بالسنة كان موجودًا في الجملة، يُقضَى بها، ويُرجَع إليها، ويَسأل الجاهل بها من كان عالمًا.

وبهذا يظهر غلط قولك: (فمن المنطقي أن المسلمين آنذاك لم يكونوا يعملون بتلك الأحاديث؛ لأنها لم يتم جمعها من هنا وهناك)!

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني