الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

تأتيني حيضة متقطعة، أي أنها قد تتوقف لمدة ربع يوم، أو نصف يوم، ثم تنزل، ثم تتوقف، وأنا لا أغتسل لذلك الطهر (بالسحب)، فهل أقضي صلوات الطهر الذي تخلل حيضتي بعد الطهر التام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كنت تعنين بقولك: "لا أغتسل لذلك الطهر بالسحب" أي: أنك لا تغتسلين؛ لأنك تقلدين القائلين بهذا المذهب، وهو أن الطهر المتخلل لأيام الحيض لا عبرة به.

إن كان هذا هو مقصودك؛ فإنه لا حرج عليك في تقليد هذا المذهب.

وبناء عليه؛ فلا يلزمك قضاء تلك الصلوات التي تركتِها زمن انقطاع الحيض؛ فقد ذهب الشافعية، والحنفية أن ذلك الطهر لا يعدّ طهرًا صحيحًا، ويسمى مذهب السحب، بمعنى أنها تسحب حكم الحيض على هذا الطهر، ووافقهم الإمام أحمد في روايةٍ عنه فيما لو قل زمن الطهر عن يوم، جاء في المبدع شرح المقنع: وَعَنْ أَحْمَدَ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ، وَصَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَجْرِي تَارَةً، وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، وَفِي إِيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ تَطْهُرُ سَاعَةً حَرَجٌ؛ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا، قَالَ فِي "الشَّرْحِ"، وَغَيْرِهِ: فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ طُهْرٌ، إِلَّا أَنْ تَرَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ فِي آخِرِ عَادَتِهَا، أَوْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ. اهــ.

والمذهب عند المالكية -وهو المذهب الفقهي السائد في بلد السائلة، المغرب- أن ذلك الطهر المتخلل طهر صحيح، يلزمها فيه ما يلزم الطاهرات، وقد بينا مذهبهم في الفتوى: 197573.

كما أن المذهب عند الحنابلة أن المرأة تغتسل وتفعل ما تفعله الطاهرات إذا رأت الطهر أثناء حيضتها، ولو ساعة واحدة، وهذا هو المفتى به عندنا، جاء في المبدع شرح المقنع: (وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا، اغْتَسَلَتْ، وَصَلَّتْ) وَصَامَتْ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا مَا رَأَتِ الطُّهْرَ سَاعَةً، فَلْتَغْتَسِلْ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ، وَنَقَلَهُ فِي "الشَّرْحِ" عَنِ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ فِي خِلَالِ الْحَيْضِ سَاعَةٌ، فَلَوْ كَانَ النَّقَاءُ أَقَلَّ مِنْهَا، فَقَالَ فِي "الْكَافِي" و"الشَّرْحِ": الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطُهْرٍ. اهــ.

وجاء في كشاف القناع: وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا طُهْرًا خَالِصًا، لَا تَتَغَيَّرُ مَعَهُ الْقُطْنَةُ إذَا احْتَشَّتْهَا، وَلَوْ أَقَلَّ مُدَّةٍ ــ فَلَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ يَوْمًا ــ فَهِيَ طَاهِرٌ، تَغْتَسِلُ -لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا مَا رَأَتْ الطُّهْرَ، فَلْتَغْتَسِلْ-، وَتُصَلِّي، وَتَفْعَلْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَاتُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى؛ فَإِذَا ذَهَبَ الْأَذَى، وَجَبَ زَوَالُ الْحَيْضِ. اهــ.

مع التنبيه على أن انقطاع الدم عن الخروج، لا عبرة به إن أدخلت المرأة قطنة، فخرجت ملوثة بشيء من الدم، أو الصفرة، أو الكدرة، وإنما الانقطاع المعتبر هو الذي يبلغ عندها مبلغًا يجعلها لو وضعت في فرجها خرقة خرجت وليس عليها أثر من دم، أو صفرة، أو كدرة. وانظري الفتوى: 138491 عن مذاهب العلماء في الطهر المتخلل للحيضة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني