الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثواب المرتدّ بعد التوبة على صبره على المرض الذي ابتلي به حال ردّته

السؤال

شخص ارتدّ عن دِينه، وبعد شهور مرض مرضًا شديدًا، وصبر على مرضه، وبعد شفائه من مرضه، تاب توبة نصوحًا، فهل سيؤجر على صبره؟ وهل سيحبّه الله لصبره على مرضه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالراجح أن الكافر -وكذا المرتدّ- إذا تاب من كفره؛ فإنه يثاب على ما فعله في كفره وردّته من القربات التي لا يشترط لها نية -كالصدقة، والصلة-، بخلاف ما يشترط له نية -كالصلاة، والصيام-، قال النووي في المجموع: لا يصحّ من كافر أصليّ، ولا مرتدّ صلاة، ولو صلى في كفره، ثم أسلم، لم نتبيّن صحّتها، بل هي باطلة بلا خلاف.

أما إذا فعل الكافر الأصلي قربة لا يشترط النية لصحتها -كالصدقة، والضيافة، وصلة الرحم، والإعتاق، والقرض، والعارية، والمنحة، وأشباه ذلك-، فإن مات على كفره، فلا ثواب له عليها في الآخرة، لكن يطعم بها في الدنيا، ويوسّع في رزقه، وعيشه.

وإن أسلم؛ فالصواب المختار أنه يثاب عليها في الآخرة؛ للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه؛ كتب الله له بكل حسنة كان زلفها" أي: قدمها. ومعنى: حسن إسلامه، أي: أسلم إسلامًا محققًا لا نفاق فيه.

وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قلت: "يا رسول الله، أرأيت أمورًا كنت أتحنّث بها في الجاهلية -من صدقة، أو إعتاق، أو صلة رحم-، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير".

فهذان حديثان صحيحان، لا يمنعهما عقل، ولم يرد الشرع بخلافهما؛ فوجب العمل بهما، وقد نقل الإجماع على ما ذكرته من إثبات ثوابه إذا أسلم .. اهـ.

ويبقى النظر بعد ذلك في ماهية صبر هذا الكافر على مرضه، والتحقّق من كونه قربة؛ فقد يقصد به التجلّد الذي لا يظهر معه الجزع، والتسخّط؛ فهذا بمجرده ليس بقربة.

وقد يقصد به الصبر الذي يقترن بالاحتساب، وهذا هو القربة، روى ابن أبي الدنيا في كتاب: "الصبر والثواب عليه": عن سعيد بن جبير قال: الصبر على نحوين:

أما أحدهما: فالصبر عمّا حرّم الله، والصبر لما افترض الله من عبادته؛ وذلك أفضل الصبر.

والصبر الآخر في المصائب، وهو: اعتراف النفس لله لما أصاب العبد، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه؛ فذلك ‌الصبر ‌الذي ‌يثيب عليه الأجر العظيم، وإنك لتجد الرجل صبورًا عند المصيبة جليدًا، وليس بمحتسب لها، ولا راجٍ لثوابها.

وفي كل الملل تجد الصبور على المصيبة، فإذا تفكّرت في صبر المصائب، وجد صبران: أحدهما لله، والآخر خليقة تكون في الإنسان. اهـ.

فهذا الذي يكون طبيعة في الإنسان ليس بقربة، وإنما القربة هو ما يكون لله؛ ولذلك قال المنصورفوري في كتابه: «رحمة للعالمين»: الصبر هو: ‌الصبر ‌الذي ‌ينشأ على الحب، وإلا فهو العجز. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني