الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدنيا لا تذم بإطلاق

السؤال

لقد شاهدت فيديو لأحدهم، وقد ذكر أمرين لم أرتح لهما:
الأمر الأول: أنه قال: إن النار أحسن من الدنيا؛ لأن الناس في النار لا ينسون الله، ولكن في الدنيا ينسونه. في رأيي المتواضع, النار أسوأ من الدنيا؛ لأنه من أدخل النار فقد خسر.
الأمر الثاني: أنه ذكر حديثا فيما معناه أنه من يشتكي من المصائب الصغيرة، فان الله سيعطيه مصائب عظيمة، ولكني لم أجد حديثا بهذا المعنى. فهل لكم أن تتأكدوا من صحة هذا الحديث.
جازاكم الله خيرا على جهودكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم أصلا للزعم بأن الدنيا شر من النار! فالنار دار العذاب والنكال، وليست دار ذكر لله، وأما الدنيا فليست مذمومة بإطلاق، بل فضّل بعض العلماء الطاعات في الدنيا على نعيم الجنة.

قال ابن القيم في عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: فالدنيا في الحقيقة لا تذم، وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها، وهي قنطرة، أو معبر إلى الجنة، أو الى النار. ولكن لما غلبت عليها الشهوات، والحظوظ، والغفلة، والإعراض عن الله، والدار الآخرة؛ فصار هذا هو الغالب على أهلها، وما فيها، وهو الغالب على اسمها؛ صار لها اسم الذم عند الإطلاق، والا فهي مبنى الآخرة، ومزرعتها، ومنها زاد الجنة، وفيها اكتسبت النفوس الإيمان، ومعرفة الله، ومحبته، وذكره ابتغاء مرضاته، وخير عيش ناله أهل الجنة في الجنة إنما كان بما زرعوه فيها، وكفى بها مدحا وفضلا لأولياء الله. فيها من قرة العيون، وسرور القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم بذكره، ومعرفته، ومحبته، وعبادته، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والأنس به، والفرح بقربه، والتذلل له، ولذة مناجاته، والاقبال عليه، والاشتغال به عمن سواه. وفيها كلامه، ووحيه، وهداه، وروحه الذى ألقاه من أمره، فأخبر به من شاء من عباده. ولهذا فضل ابن عقيل وغيره هذا على نعيم الجنة. اهـ.

وأما الشق الثاني: فلعلك تقصد ما أخرجه ابن أبي الدنيا في المرض والكفارات، والبيهقي في شعب الإيمان عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ما مَرِضَ مُسْلِمٌ إلّا وكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ مِن مَلائِكَتِهِ لا يُفارِقانِهِ حَتّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي أمْرِهِ بِإحْدى الحَسَنَتَيْنِ؛ إمّا بِمَوْتٍ، وإمّا بِحَياةٍ. فَإذا قالَ لَهُ العُوّادُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قالَ: أحْمَدُ اللهَ أجِدُنِي -واللهُ- مَحْمُودٌ بِخَيْرٍ. قالَ لَهُ المَلَكانِ: أبْشِرْ بِدَمٍ هُوَ خَيْرٌ مِن دَمِكَ، وصِحَّةٍ هُوَ خَيْرٌ مِن صِحَّتِكَ. فَإنْ قالَ: أجِدُنِي فِي بَلاءٍ شَدِيدٍ. قالَ لَهُ المَلَكانِ مَجِيئانِ لَهُ: أبْشِرْ بِدَمٍ هُوَ شَرٌّ مِن دَمِكَ، وبِبَلاءٍ هُوَ أطْوَلُ مِن بَلائِكَ.

وقد حكم عليه محققو شعب الإيمان بضعف الإسناد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني