الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يسقط نصيب الوارث بموته وينتقل لورثته

السؤال

أبي ـ رحمة الله عليه ـ كان في ضائقة مادية كبيرة بعد حرب الخليج منذ حوالي 25 عاما، تراكمت عليه الديون ـ لأخيه وأبيه ـ حتى وصلت 60 ألف جنيه في ذلك الوقت، وليحل بعض المشاكل المادية باع شقتنا التي نسكن فيها ليشتري شقة سعرها أقل، ولكنه لم يستطع شراء شقة إلا بعد فترة طويلة، وأنفق أكثر من نصف ثمن الشقة المباعة وأبقي من ثمنها حوالي 80 ألف جنيه، ولكنها لم تكف لشراء شقة أخرى، وأيضا لم يستطع سداد دينه.. فسافر أخي وعمل واستطاع أن يرسل لأبي المال لسداد دينه لعمي وجدي ـ 60 ألف جنيه ـ في ذلك الوقت وساعد أبي ليشتري شقة جديدة ـ والحمد لله ـ وبالفعل تم سداد الدين، ومنذ ذلك الحين ـ حوالي 22 عاما ـ وأخي ينفق على أبي وإخوتي حتى توفي أبي منذ حوالي عشر سنوات، وإلى الآن وأخي ينفق على أمي وإخوتي ـ مع العلم أنه ليس ميسور الحال ـ ولكنه يدخر من قوت أبنائه ليُطعم أمي وإخوتي، وقد توفي أبي قبل جدتي ـ أمه ـ ولأن جدتي تعلم جيدا أن أبي لا يملك شيئا وأخي هو من ينفق عليه لم تسأل عن أي إرث، والآن وبعد وفاة جدتي بحوالي تسع سنوات يطالب عمي بنصيبه في شقة أمي التي تسكن فيها، ويستشهد بأنه كان لأمه نصيب فيها، وبعد وفاتها فهو يرثها، فهل له حق شرعي فيها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول ابتداء: إن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك، وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.

وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم والإرشاد والتوجيه، فنقول: إذا كانت الشقة التي تسكنها أمك كانت ملكا لأبيك وقت وفاته، فإن الشقة تعتبر ميراثا يقسم بين ورثة أبيك القسمة الشرعية، ولا شك أن أمه من جملة الورثة، ولا يسقط نصيبها بموتها، بل ينتقل إلى ورثتها هي، وابنها من ورثتها.
وأما ما ذكرتَه من أن أخاك هو من ساعد والدك في شراء الشقة، فهذا لا يمنع ما ذكرنا من أن لجدتك نصيبا في شقة أبيك، والولد حين يعطي أباه مالا، فإن الأب يملك ذلك المال ويكون لورثته من بعده، إلا إذا دفع الولد المال لأبيه بنية الإقراض، فإن هذا يجري فيه كلام الفقهاء هل للولد مطالبة أبيه بدَينه؟ وإذا مات الأب هل يأخذ الولد دينه من التركة؟ قال ابن قدامة في المغني: وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ، فَجَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، كَغَيْرِهِ. اهـ.
وعلى قول الحنابلة بأنه لا يطالب أباه بالدَّين، فإنه إذا مات الأب، فللولد أن يأخذ دَينه من التركة، قال ابن قدامة: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ، رَجَعَ الِابْنُ فِي تَرِكَتِهِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَن الْأَبِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا مَاتَ الْأَبُ، بَطَلَ دَيْنُ الِابْنِ. اهــ.
وانظري الفتوى: 47572.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني