الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من اجتنب الحرام وبذل النصيحة لا يضره فساد غيره

السؤال

هل يجوز العمل في شركة بها موظفون يستعملون برامج مكركة، وأنا شخصيا أستعمل حاسوبي الشخصي، الذي به برامج أصلية، وغير منسوخة، لأنني حصلت عليها مجانا، خلال فترة دراستي بالجامعة، من خلال خدمات مجانية توفرها هذه الشركات المنتجة للبرامج الأصلية لطلبة الجامعة... والعمل مشترك، فكل موظف ينجز جزءا من العمل، لنحصل على عمل متكامل في النهاية، ومن موقعي أنجز مهمتي ببرامج أصلية، مع العلم أن غالبية الشركات، والمؤسسات ـ وحتى المدارس ـ تستعمل برامج غير أصلية، إلا القلة القليلة؟ وهل بإمكاني التدريس في مدرسة تستعمل هذه البرامج، علما بأن الحواسيب التي سوف يتعلم بها التلاميذ بها برامج منسوخة؟ أخاف أن يكون راتبي مصدره من الحرام...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دام المرء يتجنب ما يراه حراما، فليس عليه حرج من عمل غيره، وغاية ما يطلب منه أن يبذل النصيحة لمن يخالف، فإن قبل ـ فالحمد لله ـ وإلا فقد أدى ما عليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ {المائدة: 105}.

قال ابن كثير في تفسيره: من أصلح أمره، لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريبا منه، أو بعيدا، قال العوفي: عن ابن عباس عند تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال، والحرام، فلا يضره من ضل بعده، إذا عمل بما أمرته به. اهـ.

وقال الزجاج في معاني القرآن، وإعرابه: معناه إِنما ألزمكم اللَّه أمرَ أنْفُسكُمْ: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ـ أي لا يُؤاخذكم اللَّه بذنوب غيركم، وليس يُوجبُ لفظُ هذه الآيةِ ترك الأمْرِ بالمعروف، والنهيِ عَن المنكر... فإذا تَركَ المؤْمنُ الأمرَ بالْمَعروفِ، وهو مستطيع ذلك، فهو ضَال، وليس بِمُهْتَدِ. اهـ.
والمقصود أن المرء لا يطالب في حق غيره إلا ببيان الحق، وبذل النصح، ثم لا يسأل بعد ذلك إلا عن عمل نفسه، قال تعالى: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الإسراء:15}.

وقال سبحانه: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور:21}.

وقال عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {المدثر:38}.

وهنا ننبه على أن راتب العمل المباح في ذاته مباح، حتى ولو استعمل فيه العامل برنامجا منسوخا، وانظري الفتوى: 46975.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني