الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مرتكب الكبائر التائب وغير التائب

السؤال

أريد توضيحا، حيث إن معظم الإجابات تشعرني باليأس والإحباط.
قرأت عدة إجابات على موقعكم تقول إن الكبائر لا تكفرها الحسنات!! أعتذر منكم، ولكنكم بهذه الإجابات تقنطون الكثير من الذين ينوون التوبة بعد إسرافهم.
دائما معظم إجاباتكم أنه يجب التوبة من الكبائر، ولكن من شروط التوبة أيضا الإكثار من الحسنات وإلا. هل تكون توبة بدون حسنات؟
كيف والله تعالى قال: (إن الحسنات يذهبن السيئات) وكيف والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتبع السيئة الحسنة تمحها)
وكيف، والله تعالى قال: (إلا من تاب وآمن وعمل عمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)؟
ما معنى العمل الصالح؟ أليس معناه الحسنات؟ إذا كيف تقولون الحسنات لا تكفر الكبيرة؟!
أنا أعرف أن الإجابة ستكون أن المقصود بالسيئات هنا الصغائر. ولكن كيف الاستدلال أن الله -تعالى- قصد الصغائر، فهو -جل جلاله- لم يذكرها بصريح العبارة.
ومن ثم فإنه -سبحانه وتعالى- قال: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) فربنا -سبحانه- رحب بالكافرين. فكيف بالمؤمنين المسرفين؟
والله تعالى يقول: (إن الله يغفر الذنوب جميعا) لم يحدد -سبحانه- نوعية الذنب في هذه الآية، فقال: جميعا. كيف يكون التفسير بأنه -سبحانه- قصد الصغائر
والله تعالى يقول: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)
هل معنى الإصلاح هنا الإكثار من الحسنات أم ماذا؟
أعتذر عن كمية الأسئلة، ولكني عندما أقرأ الإجابات أشعر بيأس، خصوصا أن المسرف يكون بأمس الحاجة بأن يعمل أي حسنة حتى يكفر عن سيئاته، ولكن الإجابة تحبط المعنويات. فعندما أعلم أن الحسنة لا تكفر، أبتعد عن الذكر وقراءة القرآن، والصوم والصدقة؛ لأنها حسب الإجابات لا تكفر!
وأرجو منكم أن تتقبلوا مني انفعالي والسلام عليكم. فأنا قد قرأت القرآن كاملا؛ لكي أرى آيات التوبة آية آية، لكن تفسيرها حسب موقعكم مشروط دائما بتكفير الصغائر.
فماذا يصنع مرتكبو الكبائر إذَاً!؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا وجه لهذا القنوط وذلك اليأس، فإن كلامك في حق تائب قد أقلع عن هذه الكبائر، وهذا التائب يغفر له ويمحى ذنبه كائنا ما كان.

بدلالة ما ذكرته من النصوص وغيره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له.

فمن تاب توبة صادقة، وندم على ما فعل، فقد محي ذنبه، ثم إن أكثر من الحسنات فذلك زيادة خير.

ومن عمل الحسنات ولم يتب، فقد تخفف تلك الحسنات من إثم ما ارتكبه من الكبائر، كما قرره بعض أهل العلم.

وممن ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، قال -رحمه الله- ما مختصره: قد جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي كَثِيرٍ مِن الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِن الزَّحْفِ. وَفِي السُّنَنِ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَوْجَبَ. فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ، يُعْتِق اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِن النَّارِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَق. وقد جاء فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قِيلَ: اُنْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ بِهِ الْفَرِيضَةُ، ثُمَّ يُصْنَعُ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ كَذَلِكَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ الْمُكَمِّلَ لَا يَكُونُ لِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ؛ فَإِنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى جبران. وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبِّ الْمَتْرُوكِ وَالْمَفْعُولِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ يَكْمُلُ نَقْصُ الْفَرَائِضِ مِن التَّطَوُّعَاتِ... إلى آخر كلامه رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني