الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من تاب تاب الله عليه

السؤال

أنا عمري 17 سنة، محافظ على صلاتي، وعبادتي، لكن قبل عدة أشهر أغضبني صديقي، فسببت الله -عز وجل- بزلة لسان، كنت سأقول كلمة، فقلت كلمة أخرى بسبب الغضب، وكان هذا خطأ مني. والآن أريد أن أنهي هذا الشيء من حياتي، فالندم يقتلني كل يوم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت في سؤالك أن ما صدر منك كان زلة لسان، وأنك كنت ستقول كلمة، فقلت كلمة أخرى بسبب الغضب، وما دام الأمر كذلك، فلا إثم عليك -إن شاء الله تعالى-.

واعلم أن المرء مهما عظم ذنبه، فعفو الله، ورحمته، ومغفرته أعظم وأوسع، وقد قال سبحانه، قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: يا أبن آدم إنك ما دعوتني، ورجوتني؛ غفرت لك على ما كان منك، ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

قال الإمام ابن رجب الحنبلي: قوله: إنك ما دعوتني، ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك، ولا أبالي. يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره. انتهى

واعلم أنه لا يجوز الإقدام على قتل النفس ( الانتحار) بأيِّ سبب من الأسباب، لقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29}، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته يتوجأ بها في بطنه، في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. رواه البخاري ومسلم.
فدل ذلك على أن قتل المرء نفسه من أعظم الكبائر، وأن عذاب صاحبه يكون بنفس الوسيلة التي تم بها الانتحار، يضاف إليها دخوله جهنم، -والعياذ بالله-.

وتأنيب الضمير على التقصير؛ علامة خيرٍ، لكن ينبغي أن يستغل، ليكون دافعاً للتوبة الصادقة، والإقبال على الأعمال الصالحة، والهمة إلى طلب المعالي، والترقي في درجات الكمال، لا أن يكون باعثاً على اليأس، والقنوط من رحمة الله، فقد نهى الله عن ذلك، وأخبر أنه من صفات الكافرين. فقال سبحانه على لسان يعقوب: يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}، وقال تعالى على لسان خليله إبراهيم: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني