الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من استأجر أسطوانات غاز وباعها بنية إرجاع مثلها وما زال يدفع أجرتها

السؤال

قمت باستئجار 50 أسطوانة غاز، بمبلغ 50 ألف دينار ، يدفع شهريا للمالك الأصلي. ومن ثم قمت ببيع الأسطوانات بمبلغ قدره 1500000 مليون وخمسمائة ألف دينار. واشتريت بثمنها سيارة، أو دابة، مع بقاء دفع مبلغ إيجار الأسطوانات كل شهر لصاحبها، مع وجود النية مستقبلا بإرجاع هذه الأسطوانات في حال طلب ذلك صاحبها مستقبلا، وذلك بشراء أسطوانات جديدة له.
فما حكم الشرع في ذلك: هل هو جائز أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت في السؤال أنك استأجرت تلك الأسطوانات. والإجارة تقتضي انتفاعك بها، وبقاء ملكها لصاحبها.

وعليه؛ فتصرفك فيها بالبيع تصرف في مال الغير، وهو اعتداءٌ محرمٌ، وبيع باطل، إذ المستأجر ليس مالكا للعين، ولا مأذونا له في بيعها، والبيع لا يصح إلا من مالك، أو مأذون له فيه.

جاء في شرح منتهى الإرادات للبهوتي: (ولا يصح بيع ما) أي مال (لا يملكه) البائع، ولا إذن له فيه. اهـ.
والواجب عليك استرجاع الأسطوانات ممن بيعت له، وردها لمن استؤجرت منه -إن أمكن ذلك- وإلا فرد مثلها إن كان مثلها يوجد؛ كما ذكرت.

قال السيوطي -رحمه الله- في الأشباه والنظائر: اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُتْلَفَاتِ ضَمَانُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ، وَالْمُتَقَوِّمِ بِالْقِيمَةِ.

وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ صُوَرٌ تُعْرَفُ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ أَنْوَاعٌ:

الْأَوَّلُ الْغَصْبُ: فَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.

الثَّانِي الْإِتْلَافُ بِلَا غَصْبٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ عَنْهُمَا صُوَرٌ .... اهـ.

ولم يذكر ما أتلفه المستأجر من هذه الصور التي خرجت عن الأصل، فعلم أن ما أتلفه المستأجر يُضمن: المثلي بالمثلي، والمتقوم بالقيمة.

وتلك الأسطوانات لها مثل -كما ذكرت- فتضمن لصاحبها مثلها.

واعلم أن من شروط صحة الإجارة بقاء العين المؤجرة، وحيث إنك أتلفتها بالاعتداء ببيعها، فقد انفسخت الإجارة فيما يستقبل. وثبت عليك ضمان العين المؤجرة. ولا يؤثر بطلان الإجارة في الأجرة السابقة، فهي ثابتة للمؤجر -مالك الأسطوانات-، وتضمن أجرة المثل في المدة اللاحقة، فيما نص عليه بعض أهل العلم؛ لتعديك على القنينات بالبيع، والمتعدي يشبه الغاصب. وتلك القنينات معدة للاستغلال والكراء.

قال الرملي -رحمه الله- في شرحه على زبد ابن رسلان: ‌تبطل ‌الإجارة إن تلفت العين المؤجَّرة، كدار أو دابة معيَّنة فيها، لفوات محل المنفعة.

هذا في الزمن المستقبل بخلاف الماضي، إن كان لمثله أجرة، لاستقراره بالقبض، فيستقر قسطه من المسمَّى باعتبار أجرة المثل. اهـ.
وقال البهوتي -رحمه الله- في كشاف القناع: (‌ولو ‌أتلف ‌المستأجر ‌العين) المؤجرة (ثبت ما تقدم من) ملك (الفسخ) إذا كانت على موصوفة في الذمة، وتعذَّر البدل (أو الانفساخ) إذا كانت على معينة؛ لتعذُّر تسليم المعقود عليه (مع تضمينه) أي: المستأجر (ما أتلف) من العين. اهـ.

وفي ضمان قيمة المنفعة بأجرة المثل في المدة اللاحقة، يقول البغدادي في مجمع الضمانات للبغدادي مبينا الصور الثلاث التي تضمن فيها المنفعة: إلا في ثلاث، فإنها تضمن فيها، ويجب أجر المثل: مال اليتيم، ومال الوقف، والمعد للاستغلال. انتهى.

وفي مجمع الأنهر لشيخي زاده: منافع المعد للاستغلال مضمونة في كل الأحوال.... انتهى.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني