الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود تصرف الوصي في مال المحجور عليه واستثماره

السؤال

والدي -رحمه الله- وضع مبلغا ماليا باسمي بالبنك أمانة لأخي المريض عقليا، ومعي وكالة باسمه من أجل تسهيل المعاملات.
والآن أنوي إخراج هذه الأموال من البنك؛ لأنها تزيد كل سنة، وأشتري بها أغناما للتجارة.
مع العلم أني سآخذ من الأرباح أنا، وشريكي(رأس المال من أموال أخي، وشريكي عليه رعاية هذه الأغنام ).
هل علي إثم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالظاهر من السؤال أن هذا المبلغ وهبه والدك – رحمه الله – لأخيك المريض عقليا، وكتبه باسمك؛ لجعلك وصيا عليه، لكون أخيك محجورا عليه.

فإن كان الأمر كذلك، فالوصي على المحجور لا يتصرف في ماله إلا بما فيه مصلحته، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: القاعدة العامة في عقود الوصي وتصرفاته: أن الوصي مقيد في تصرفه بالنظر، والمصلحة لمن في وصايته، وعلى هذا لا يكون للوصي سلطة مباشرة التصرفات الضارة ضررا محضا كالهبة، أو التصدق، أو البيع، والشراء بغبن فاحش، فإذا باشر الوصي تصرفا من هذه التصرفات كان تصرفه باطلا، لا يقبل الإجازة من أحد، ويكون له سلطة مباشرة التصرفات النافعة نفعا محضا، كقبول الهبة، والصدقة، والوصية، والوقف، والكفالة للمال. ومثل هذا: التصرفات الدائرة بين النفع، والضرر، كالبيع، والشراء، والإجارة، والاستئجار، والقسمة، والشركة، فإن للوصي أن يباشرها، إلا إذا ترتب عليها ضرر ظاهر، فإنها لا تكون صحيحة. اهـ.

وبخصوص استثمار مال المحجور عليه في شراكة، أو مضاربة شرعية، فهذا يجوز إن كان لمصلحة المحجور عليه، فيدفعه الوصي لمن يستثمره بجزء من ربحه دون محاباة له، ولا يستثمره الوصي بنفسه خوفا من محاباتها، فإن فعل فخسر المال ضمنه، وإن ربح، فليس له شيء من الربح، بل كله للمحجور عليه.

قال إسحاق الكوسج – كما في مسائله -: سُئِلَ سفيانُ عَنِ الوصِيِّ إذا أخذَ المالَ لنفسِهِ. قال: هو ضامنٌ؛ لأنه لا يشتري من نفسِهِ. قال (الإمام) أحمد: هو ضامن، وإن تَجَر فيه ‌كان ‌الربحُ ‌لليتيمِ، وإن استلف منه، فأكله لم يكنْ عليه إلَّا مَا أخذ. قال إسحاق: كما قال أحمد، وأَخْطأَ هؤلاء حيث قالوا: للوصي أنْ يأخذَ مالَ اليتيمِ من نفسِهِ مضاربة. اهـ.

وقال ابن قدامة في «المغني»: لا يتجر إلا في المواضع الآمنة، ولا يدفعه إلا لأمين، ولا يغرر بماله ... فمتى اتجر في المال بنفسه، فالربح كله لليتيم، وأجاز الحسن بن صالح وإسحاق أن يأخذ الوصي مضاربة لنفسه؛ لأنه جاز له أن يدفعه بذلك إلى غيره، فجاز أن يأخذ ذلك لنفسه. والصحيح ما قلنا؛ لأن الربح نماء مال اليتيم، فلا يستحقه غيره إلا بعقد، ولا يجوز أن يعقد الولي المضاربة مع نفسه، فأما إن دفعه إلى غيره، فللمضارب ما جعله له الولي، ووافقه عليه، أي اتفقا عليه في قولهم جميعا؛ لأن الوصي نائب عن اليتيم فيما فيه مصلحته، وهذا فيه مصلحته، فصار تصرفه فيه كتصرف المالك في ماله. اهـ.

وعلى ذلك، فلينظر السائل في مال أخيه على المصلحة له هو، ولا يتجر به بنفسه، ولا يأخذ من ربحه شيئا، وإن كان هذا الرجل الذي يرعى الأغنام أمينا، والاستثمار في هذا المجال آمنا، فليدفعه إليه بجزء من ربحه دون محاباة له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني