الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

على الأولاد زيارة أبيهم في بيته، ما لم يخشوا ضررا

السؤال

أبي كان يعاملنا بقسوة مبالغ فيها منذ صغرنا، وكان يعامل أمي كذلك، وحدثت مشاكل كبيرة وكثيرة بينهما أدت في الأخير إلى انفصالهما. وأنا وإخوتي بقينا مع أبي، واستمر معنا في معاملته لنا بقسوة، وعنف، وكان يمنعنا في بعض الأحيان من زيارة أمنا في بيت أبيها، فتركناه، وذهبنا إلى أمنا، خوفاً منه، وفراراً من هذه المعاملة القاسية، والتي كانت في نهار رمضان بالضرب المبرح، والسب، والشتم على سبب تافه. وبعد شهر تواصل معنا، وقال لنا: تعالوا زوروني، وأنا لن أفعل لكم شيئاً، ولا تخافوا، فذهبنا نزوره في بعض الأماكن العامة، واستمر الحال على هذا: 3 سنوات، وكان يحدث معنا بعض المشاكل أيضاً، ولكننا نتغاضى عنها.
وبعد ذلك تزوج من أخرى، وكنا نزوره كعادتنا في الأماكن العامة، والمتنزهات، والآن يطالبنا بإلحاح بزيارته في بيت زوجته الثانية، وإلا فسيدعو علينا، وسيغضب منا، وإخواني يخافون منه، ويكرهون الذهاب إليه هناك؛ لأننا لا نأمن على أنفسنا من أفعاله.
فهل لأبي أن يجبرنا على أن نزوره هناك، وقد قلنا له: سنزورك في أي مكان عدى هذا، ولكنه يرفض وبشدة، مع العلم أنه لا ينفق علينا، وعند حدوث أي مشكلة يمنع عنا التموين الذي تعطيه الدولة لنا؛ لأن البطاقة باسمه؟
هل له أن يجبرنا على زيارته في بيت زوجته؟ وهل إذا لم نذهب هناك يعد ذلك عقوقاً؟ وما حكم مقاطعة الأب الذي يظلم أبناءه؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالواجب عليكم طاعة أبيكم فيما أمركم به من زيارته في بيته، ما لم تعلموا، أو يغلب على ظنكم حصول ضرر عليكم في زيارته في بيته.

ولا تجوز لكم معصيته في ذلك بسبب إساءته إليكم قبل ذلك، أو لمجرد احتمال رجوعه لإيذائكم في بيته من غير أمارة تفيد اليقين، أو الظن الغالب، وكراهتكم لزيارته في بيته ليس مسوغا لعدم طاعته فيها.

قال ابن تيمية -رحمه الله: وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ.

وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا، وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَضُرَّهُ، وَجَبَ، وَإِلَّا فَلَا. انتهى من الفتاوى الكبرى.

وعليكم ببرّ أبيكم، والإحسان إليه، ولا تجوز لكم مقاطعته بسبب ظلمه، أو إساءته؛ فهذا عقوق، وهو من كبائر المحرمات، وحقّ الوالد لا يسقط بظلمه، أو إساءته.

جاء في الأدب المفرد للبخاري -رحمه الله-: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.

وراجع الفتوى: 401791.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني