الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفع الزكاة للأقارب المستحقين أولى من دفعها لغيرهم

السؤال

بلغ مال أختي -من ذهب، ووديعة في بنك ربوي- النصاب، وحال عليه الحول مرات عديدة، وهي لا تزكيه، وقد نصحتها -بعد سماعي لخطبة الجمعة عن الزكاة- بأن تخرج زكاة المال، إلا أنها رفضت، بحجة أنه ليس لديها مال نقدي، أو سيولة كافية لإخراج الزكاة، وقالت أيضا إن الظروف المادية الخاصة بأسرتها لا تسمح، فراتب زوجها ضعيف، ولا يكفي مصاريف البيت، والسيارة، وثلاث بنات، وليس لديهم مصادر دخل آخر، رغم محاولاتهم لتوفير دخل إضافي غير فائدة الوديعة بالبنك، فأخبرتها بأن عليها أن تحسب قدر الزكاة عن كل السنوات، وأن تخرجها متى تيسر الأمر، أو أن تدخرها للأخ الأصغر، وهو الوحيد غير المتزوج بيننا، وهو محتاج لذلك، لأن الأوضاع الاقتصادية صعبة جدا، ويتطلب الأمر عدة سنوات من العمل لتجهيز بيت الزوجية، بالإضافة إلى أنه لا يدخر كل راتبه، لأنه يتحمل جزءا من مصاريفه الشخصية، والوالد لا يستطيع تجهيزه، لأنه يحتفظ بكل ماله بالبنك، ليعيش من عوائده، وأختي لها رأي آخر، وهو أنها إذا كانت ستخرج الزكاه فستجعلها لبنات يتيمات، وليس لأخيها، لأنه يستطيع الكسب، فقلت لها إن قضاء حاجة أخيها أولى، وهذا لا يمنع أن تفعل الأمر نفسه بعد ذلك للبنات اليتيمات، خصوصا أنها تعرف أن قدرة أخي على الكسب ضعيفة، حتى بعد انهاء دراسته، والخدمة العسكرية، وسيتطلب منه سنوات، وسنوات، لإعفاف نفسه، وأيضا لا يمكننا التأكد من حالة تلك البنات اليتيمات، كما تأكدنا من حاجة أخي لنا، أو إذا كان هناك آخرون يساعدونهم بالفعل، فأخي لم يطلب المساعدة، ولكننا نعلم أننا أمله الوحيد. فأيهما أولى، إخراج الزكاة للزوج، لصرفها على أسرتها؟ أم زواج الأخ؟ أم زواج اليتيم، وخاصة اليتيمة؟ وهكذا بالنسبة للصدقات إذا أمكن.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلم تذكر لنا إن كان هذا الذهب مما تجب فيه الزكاة أم لا؟ وأما الوديعة التي في البنك الربوي؛ فالذي يجب فيها هو التالي:

أولاً: يجب سحب هذه الوديعة من البنك الربوي، والتوبة إلى الله سبحانه توبة نصوحًا.

ثانيًا: يجب التخلص من الفوائد الربوية الناشئة عن هذا الإيداع، وذلك بصرفها فيما تُصرف فيه الأموال العامة من مصالح المسلمين.

ثالثًا: ما تجب فيه الزكاة هو رأس المال الأصلي، وأما الفوائد: فتصرف كلها في مصالح المسلمين العامة، كما ذكرنا آنفًا.

وعلى هذا؛ فإذا كان رأس مال هذه الوديعة يبلغ نصابًا بنفسه، أو بما ينضم إليه من نقود أخرى، أو عروض تجارة تملكها هذه الأخت؛ فيجب عليها أن تخرج زكاتها عن تلك السنوات كلها، ولا يجوز لها تأخير الزكاة عن مستحقيها.

ومستحقو الزكاة هم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة: 60}.

فإذا كان من أقاربها الذين لا تجب عليها نفقتهم مَن هو مستحق للزكاة؛ فهو أولى الناس بأن تدفع له زكاة مالها، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ. رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

وعلى هذا؛ فيستحب لأختك أن تدفع زكاة مالها لأخيها غير المتزوج -إن كان فقيرًا، ودخله دون حاجته-، وكذلك زوجها -إن كان مستحقًا للزكاة-؛ فيجوز لها أن تدفع له زكاة مالها، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وقد سبق لنا تقرير ذلك في الفتوى: 75276.

كما أنَّ الزكاة تُدفع للفقير غير القادر على تكاليف الزواج الأساسية، لإعانته عليه، وقد سبق أن بيَّنَّا جواز إعطاء الزكاة للمحتاج للنكاح في الفتويين: 11787 94716.

ولمزيد من الفائدة راجع الفتويين: 422449 133278 وهما في بيان الأعذار الشرعية التي ذكر الفقهاء أنها مسوغ لتأخير إخراج الزكاة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني