الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإيثار المحمود لا يكون مع ترك النفقة الواجبة

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
رجل يعول عائلة لا يملك مالاً وعندما تحصل على مبلغ معين من المال قرر أن يتصدق به كله، فما حكم التصدق بهذا المال، وما الحكم إذا كان على الرجل دين، وإن كان الرجل آثما فكيف نوفق بين قوله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عندي دينار قال: أنفقه على نفسك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على أهلك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أعلم به. رواه البيهقي وأبو يعلى وحسنه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما.

قال الشيرازي في المهذب: لا يجوز أن يتصدق بصدقة تطوع وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته أو نفقة عياله.... ولا يجوز لمن عليه دين وهو محتاج إلي ما يتصدق به لقضاء دينه لأنه حق واجب فلم يجز تركه بصدقه التطوع كنفقة عياله. انتهى.

قال النووي في شرح المهذب: إذا كان محتاجاً إلى ما معه لنفقة نفسه أو عياله هل يتصدق صدقة التطوع؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: لا يستحب ذلك.

الثاني: يكره ذلك.

الثالث: وهو الأصح لا يجوز وبه قطع المصنف.

... فإن قيل يرد على المصنف وموافقيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال: لا مرأته نومي الصبيان وأطفئي السراج وقدمي للضيف ما عندك فنزلت هذه الآية: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]

فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن هذا ليس من باب صدقة التطوع، إنما هو ضيافة والضيافة لا يشترط فيها الفضل عن عياله ونفسه لتاكدها.

والثاني: أنه محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ بل كانوا قد أكلوا حاجتهم، وأما الرجل وامرأته فتبرعا بحقهما، وكانا صابرين فرحين بذلك، ولهذا جاء في الآية والحديث الثناء عليهما.

فإن قيل: قوله نومي صبيانك يدل على أن الصبيان كانوا جياعاً فالجواب: أن الصبيان لا يتركون الأكل عند حضور الطعام ولو كانوا شباعاً فخاف إن بقوا مستيقظين أن يطلبوا الأكل عند حضور الطعام. انتهى.

المسألة الثانية: إذا أراد صدقة التطوع وعليه دين فقد أطلق المصنف وشيخه وآخرون أنه لا تجوز صدقة التطوع لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه، وقال المتولي وآخرون: يكره، وقال الماوردي والغزالي وآخرون: لا يستحب.

.... والمختار أنه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى فلا بأس بالصدقة وقد تستحب وإلا فلا تحل. انتهى.

وقال النووي في شرح مسلم: من قصة هذا الرجل وأهله، قال: هذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل... فإنهم لو كانوا على حاجة بحيث يضرهم ترك الأكل لكان إطعامهم واجباً، ويجب تقديمه على الضيافة. انتهى.

وبهذا تعلم أن الإيثار المحمود لا يكون في ترك واجب من نفقة أو دين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني