الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب بر الأب وصلته ولو لم يحبه الولد

السؤال

والدي رمانا، ولا يسأل عنا -أنا وإخوتي- ولا يصرف علينا، وأفعاله بشعة جدا معنا، وقد طلق أمي، ونجلس مع أمي، وكنت أزوره، وقطعت الزيارة فجأة، بسبب موقف بشع عمله معي، وهو لا يسأل عني، وكنت أزوره لأرضي ربنا -فقط لا غير- فأنا أصلا لا أحبه... وكانت زيارته ثقيلة جدا على قلبي، وهو من أوصلني إلى هذا، ومنذ أكثر من سبعة أشهر لا أزوره، فهل علي إثم كبير؟ وما المفروض أن أعمله خوفا من غضب ربنا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا تجوز لك مقاطعة أبيك، فهذا من العقوق له، وهو من أكبر الكبائر، وحقّ أبيك عليك عظيم، ومهما أساء إليك، أو ظلمك؛ فهذا لا يسقط حقّه عليك، ولا يبيح لك مقاطعته، جاء في الأدب المفرد للبخاري -رحمه الله: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.

وراجع الفتوى: 401791.

أمّا كراهية القلب له بسبب ظلمه، فهذه لا مؤاخذة عليها، لكن الواجب ألا تحملك الكراهية على العقوق، أوالتقصير في حقّه، وراجع الفتوى: 387106.

وقد نهى الشرع عن الهجر بين المسلمين فوق ثلاثة أيام، ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.

فإن كان ذلك بين عموم المسلمين، فكيف بمن يهجر أحد الوالدين الذين قرن الله حقهما بحقه سبحانه وتعالى، فقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا لإسراء: 23}.

وقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: 14}.

فبادر بالتوبة إلى الله تعالى، وصل أباك، وأحسن إليه، وقد حُفَّت الجنة بالمكاره، وجعل الله الخير في أمور تكرهها النفس؛ فمخالفة الهوى، والصبر على المكاره؛ من أسباب رضوان الله، ودخول الجنة، فمما يعينك على برّ أبيك، والإحسان إليه أن تجاهد نفسك، وتستعين بالله تعالى، وتخلص النية لوجهه، وتستحضر فضل برّ الوالدين، وما جعل الله له من المكانة، وما وعد عليه من الأجر، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.

وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب، أواحفظه. رواه ابن ماجه، والترمذي.

قال المباركفوري -رحمه الله- في تحفة الأحوذي: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ، وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ، وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني