السؤال
قال شخص: "لله عليَّ نذر أن أحفظ القرآن عن طريق النطق"، وكان يقصد بذلك التلاوة. أي أنه نذر حفظ القرآن عن طريق التلاوة، ثم بعد مدة وجد أن في التلاوة مشقّة، وأن الحفظ عن طريق الاستماع إلى القارئ، أي من خلال تسجيل صوتي، أسهل عليه. فهل يجوز له أن يحفظ القرآن عن طريق السماع، ويترك الحفظ عن طريق التلاوة؟ علمًا بأن كثيرًا من الحفّاظ يحفظون عن طريق التلاوة، لا عن طريق السماع فقط.
وجزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن جمهور العلماء على أن نذر حفظ القرآن يجب الوفاء به، بينما ذهب الحنفية إلى أنه لا يجب الوفاء بمثل هذا النذر الذي لا أصل له في الفروض.
جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»: اختلف الفقهاء في نذر الْقُرَبِ التي لا أصل لها في الفروض -كعيادة المرضى، وتشييع الجنائز، ودخول المسجد، وإفشاء السلام بين المسلمين، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأمور التي رغب الشارع فيها-:
فذهب المالكية والشافعية في الصحيح والحنابلة إلى جواز نذر هذه القرب ولزوم الوفاء بها.
وعند الحنفية لا يصح هذا النذر؛ لأن الأصل عندهم أن ما لا أصل له في الفروض لا يصح النذر به.
ومقابل الصحيح عند الشافعية أنه لا يلزم الوفاء بنذر مثل هذه القرب. اهـ.
وبناء على وجوب الوفاء: فإن نذر حفظ القرآن بالقراءة لا يجزئ عنه الحفظ بالسماع؛ لأن صفة النذر لا يجوز تغييرها إلا إلى ما هو خير منها شرعًا.
والتلاوة أفضل من مجرد السماع، كما هو مبين في الفتوى: 299884.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جوّز إبدال المنذور بخير منه.
ففي المسند -مسند أحمد- وسنن أبي داود عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله {أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله: إني نذرت إن فتح الله عزّ وجلّ عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: صل هاهنا، ثم أعاد عليه؛ قال: فشأنك إذا}...
فقد ثبت أن إبدال الواجب بخير منه جائز، بل يستحب فيما وجب بإيجاب الشرع، وبإيجاب العبد...
وعلى هذا؛ فلو نذر أن يقف شيئًا، فوقف خيرًا منه، كان أفضل، فلو نذر أن يبني لله مسجدًا وصفه، أو يقف وقفًا وصفه، فبنى مسجدًا خيرًا منه، ووقف وقفًا خيرًا منه، كان أفضل، ولو عينه فقال: لله علي أن أبني هذه الدار مسجدًا، أو وقفها على الفقراء والمساكين، فبنى خيرًا منها، ووقف خيرًا منها، كان أفضل: كالذي نذر الصلاة بالمسجد الأقصى، وصلى في المسجد الحرام، أو كانت عليه بنت مخاض، فأدى خيرًا منها. اهـ.
وانظر للفائدة الفتوى: 244468.
والله أعلم.