الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من قتل نفسه فهو في حكم المشيئة

السؤال

هل يمكن لمن انتحر أن يدخل الجنة إن كان مؤمنا ؟
وما مدى صحة الحديث الذي ذكر فيه الصحابي الذي مرض بالحمة فلم يستطع الاحتمال فقطع شرايين يده وهو من أصحاب غزوة بدر وذكر رسول الله صلى الله و عليه وسلم أنه سيدخل الجنة ولكن الله لن يصلح ما أفسده

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن قتل النفس من كبائر الذنوب، لقوله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {النساء: 29-30 }. وفي الصحيحين عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب عليه في نار جهنم.

ولا يحكم على من ارتكب ذنبا غير مستحل له بالحرمان من دخول الجنة، فمذهب أهل السنة أن من مات على التوحيد لا يخلد في النار، ولو ارتكب ما ارتكب من الكبائر، أما ما ورد في تخليد من قتل نفسه في النار كحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا فالمراد به -كما فسره أهل العلم- من استحل قتل نفسه، فيصير باستحلاله كافرا، والكافر مخلد بلا ريب في النار، وقيل: ورد مورد الزجر والتلغليظ وحقيقته غير مرادة، وقيل: إن جزاءه هو التخليد في النار لكن الله قد تكرم على الموحدين فأخرجهم من النار.

أما الحديث المشار إليه فرواه مالك في الموطأ، وأحمد ومسلم في صحيحه عن عبد الله أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه! فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر...

قال الإمام النووي: أما أحكام الحديث ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة. وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار. اهـ.

واعلم أن قدوم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم كان والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر كما ذكره في عمدة القارئ، وخيبر كانت في العام السابع، فالظاهر أن هذا الرجل ليس بدريا وإنما هاجر بعد بدر، ولم نجد من صرح باسمه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني