الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التحذير من أكل المال الحرام ومن الزنى.

السؤال

غرتني الحياة وعندما أرى المال آخذ منه ولو كان حراما وأقترف بعض المنكرات كالزنى... وأريد أن أتخلص من جميع المنكرات وأصبح شخصا صالحا كيف أكون كذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فلا شك أن كلاً من أخذ مال المسلم بغير حق، وارتكاب فاحشة الزنا يعد من الكبائر التي حرمها الله، والواجب على المسلم، فعل الواجبات وترك المحرمات، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمة دم المسلم وماله وعرضه في عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" رواه البخاري ومسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" رواه أحمد وأبو داود. كما حرم الرسول صلى الله عليه وسلم الغلول فقال: " أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض أوفي الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين يوم القيامة" رواه أحمد والطبراني. كما أن أخذ مال المسلم بغير حق يوجب غضب الله وسخطه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان" رواه أحمد. كما أن الأخذ من المال العام (الذي يوقف على مصالح المسلمين ) بغير حق حرام أيضاً، ومما يؤيد ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في شأن من أخذ من الغنيمة قبل القسمة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّهُ قال: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمَ ذَهَباً وَلا وَرِقاً إلاّ الثّيَابَ وَالمَتَاعَ وَالأمْوَالَ. قال: فَوَجّهَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم نَحْوَ وَادِي الْقُرَى وَقَدْ أُهْدِيَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ أسْوَدُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، حَتّى إذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطّ رَحْلَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، فَقالَ النّاسُ: هَنِيئاً لَهُ الْجَنّةُ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ الشّمْلَةَ الّتي أخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرٍ مِنَ المَغَانِمِ لم تُصِبْهَا المَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَاراً، فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أوْ شِرَاكَيْنِ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أوْ قال شِرَاكَان مِنْ نَارٍ". رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذا فلا يجوز أخذ المال بالسرقة أو السلب أو النهب، أو الغش والاحتيال، ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن السارق، وأوجب عليه الحد، وسلب وصف الإيمان عن الناهب، فقال: " لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده" رواه البخاري ومسلم، وقال: "ولا ينتهب نهبة-حين ينتهبها- وهو مؤمن" رواه البخاري ومسلم.
قال العلماء فصار بنهبته فاسقاً. كما أن أخذ المال بغير حق مظلمة يعاقب الله عليها أشد العقوبة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْه" رواه البخاري.
ومن ثم فإننا ننصح الآخذ -السائل- بالبعد عن هذه الكبيرة العظيمة لأن تعوده ذلك ليس بعذر مقبول شرعاً، كما ننصحه بالتوبة الصادقة النصوح، ورد المظالم (الأموال وغيرها) إلى أهلها، ويتوب الله على من تاب.
أما الزنا فهو من قبائح الذنوب وكبائرها وقد حذر الله منه بقوله: " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " [الإسراء: 32] كما حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " رواه البخاري ومسلم. فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الزنا والسرقة وشرب الخمر من المعاصي التي توجب الفسق لصاحبها وتدفع عنه صفة الإيمان، ومن المعلوم أن من فعل شيئاً منها أنه يحد وفق الضوابط والشروط المعتبرة في إقامة الحدود الشرعية. وما أعظم قوله صلى الله عليه وسلم من حديث سمرة بن جندب: "رأيت الليلة رجلين أتياني، فأخرجاني إلى أرض مقدسة …فانطلقوا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا أخمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة" وفي لفظ: "وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا"، وفي آخر الحديث سأل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: " وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني" رواه البخاري.
فما أشد هذا العذاب وما أوجعه على الزناة. قال الإمام المنذري: وقد صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثنٍ، ولا شك أن الزناة اشد وأعظم عند الله من شرب الخمر، والله أعلم. (الترغيب والترهيب 3/238) وأعظم الزنا وأقبحه الزنا بالمحارم أو بامرأة الجار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " ما تقولون في الزنا؟ " قالوا: حرام، حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره" رواه أحمد ورواته ثقات، والطبراني في الكبير والأوسط. والأحاديث في شأن الزنا كثيرة لا يتسع لها المقام، وقد ذكر العلماء آثاراً سيئة تلحق الزاني في هذه الدنيا، منها: ظلمة الوجه، وقصر العمر، والفقر، وأن الزاني يعاقب بمن يفعل ذلك بأهله ومن ذلك قول القائل:
إن الزنا دين فإن ســلفته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن في بيت بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم
ومن هنا ننصح السائل بالبعد عن هذه الكبيرة العظيمة، وأن يتوب إلى الله، وعليه بالزواج فإن لم يستطع فعليه بالصوم، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بقوله: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" رواه البخاري ومسلم.
وأما كيفية التخلص من هذه الكبائر وغيرها فبعدة أمور منها:
1- طلب العلم الشرعي النافع الذي يقرب المسلم من ربه والدار الآخرة.
2- اختيار الرفقة الصالحة والبعد عن رفقاء السوء.
3- البعد عن المثيرات والمهيجات للشهوة، والبعد عن مشاهدة النساء اللائي لا يحل النظر لهن، وغض البصر، والإكثار من الطاعات التي ترقق القلب كقراءة القرآن الكريم والحديث الشريف، وسير الصالحين.
4- تغيير البيئة التي تعيش فيها، والبحث عن بيئة صالحة.
5- عليك بالتوبة النصوح الصادقة، والتكفير عن تلك السيئات قبل فوات الأوان، فإن من أعظم صفات السلف الصالح أنهم كانوا يفعلون الواجبات ويمتنعون عن المحرمات، ويخافون الله ويخشونه حق خشيته. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني