الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال وضع المال في مدرسة أفضل من الحج

السؤال

لي جدة كانت تحج في أحد الأعوام مع العلم أنها كبيرة في السن ففي زحمة الحج وهي في لحظة انفعال قالت: لو كنا وضعنا أموالنا في مدرسة كان أحسن فما حكم حجتها وكيف تكفر عن هذا الذنب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمدلول تلك الكلمة يتوقف على نية وقصد صاحبتها، فإن كانت تقصد أن الوقف أفضل من الحج لما يعرض للحاج أحيانا من زحام ودفاع، فهذا خطأ لا شك فيه لأن الحج ركن من أركان الإسلام لابد منه في حق القادر عليه مرة في العمر، وحجة الفرض أفضل من جميع النوافل ففي الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه.

وأما في حق من أدى فريضة الحج من قبل فقد تكون الصدقة والوقف ونحوها من أعمال البر أفضل له، وذلك إنما يقدر بحسب الزمان والمكان والأحوال فمن كانت لديه نفقة حج وقد حج من قبل فوضعها في أكباد جائعة يسد بها رمقها ويلم بها شعثها وهي لا تجد قوتاً، فذلك أفضل له كما فعل عبد الله بن المبارك لما تجهز لحج النافلة وفي طريقة وجد امرأة وصبية خماصا فدفع إليهم نفقة حجه ثم عاد وقال لأصحابه هذا حجنا هذا العام.

فإذا كانت جدتك قد حجت من قبل وتقصد أن هذا المال الذي حجت به حج النافلة كان أولى وأكثر أجراً أن تبني به مدرسة لأبناء المسلمين أو مستشفى أو نحو ذلك من أعمال البر فكلامها له وجه من النظر وقد يكون صواباً.

وأما إن كانت تقصد التضجر مما لاقته من زحام بسبب تأديتها لشعيرة الحج وأنها لا تساوي هذا التعب والضنى الذي يبذل في سبيلها، فذلك قول خطير قد يفضي إلى الكفر فيجب عليها أن تتوب منه وتستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً، فالحج من شعائر الله التي يجب تعظيمها كما قال: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج: 32}.

ولكن الإنسان في حالة الغضب الشديد قد يقول ما لا يدرك ويفعل ما لا يعي، كما حدث لموسى عليه السلام لما رجع إلى قومه فوجدهم يعبدون العجل: وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ {الأعراف: 150}.

فلم يؤاخذ على ذلك لعدم قصده لما صدر منه، ولأنه كان غضبا في الله، وكذلك المرء في حالة إغلاق الغضب عليه، فإنه لا يعي ما يقول فلا يؤاخذ به، وإنما يؤاخذ بما تعمد وقصد قال الله تعالى: وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}.

فحج جدتك صحيح إن شاء الله، وينبغي أن تتوب إلى الله مما قالت إن كانت تقصد أمراً سيئا وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 20345، والفتوى رقم: 29941.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني