الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاشتغال بكتابة الروايات الإنجليزية

السؤال

أنا فتاه في السابعة عشر أهوى الكتابة باللغة الانجليزية، أكتب الآن في رواية عن شخصيات إنجليزية تعيش في المجتمع الانجليزي، الرواية والشخصيات ليس لها علاقة بالإسلام، سبب الاختيار هو أني أعشق روايات الأدب الانجليزي القديم فأردت أن أكتب عن أجواء شبيهة بما أقرؤه . أنا أسألكم الآن لأني أحس بأن ما أفعله ربما يكون حراما، فأنا أعتزم أن أكتب عن مشاعر حب بين بعض الشخصيات لكني بالطبع لن أذكر أي شيء عن الرغبة الجنسية ولن أتناول تلك المشاعر بالطريقة التي تحدث الآن في ذلك المجتمع، بل أريد أن أصفها بطريقة لائقة فهل هذا حرام؟فإذا كانت حياتنا مليئة بالخطوط الحمراء فهل يجب أن يكون خيالنا مليئا بها أيضًا؟ أحيانًا أتساءل هل موهبة الكتابة يجب استغلالها بما يخدم الإسلام أو القضايا العربية فقط ؟ هل الكتابة عن تلك المشاعر الطبيعية كالحب أو الأخوة أو الصداقة أمر لا داعي له؟ أنا طبعًا لا أريد أن أكون من هؤلاء الناس الذين يخربون مجتمعهم ولا أريد أن أكون من هؤلاء الناس العاشقين لحياة الغربيين وما فيها من انفتاح، فقط أريد أن أكتب عن شخصيات مختلفة، ما هي ملامحهم و ما هي طريقة تفكيرهم و رؤيتهم للأمور حولهم وما يواجههم في حياتهم دون مدح أو ذم لأي مجتمع، فهل هذا حرام؟ إذا كانت الكتابة عن الحب حرام (علما بأنه جزء من الرواية و ليس المحور ) فما الذي يجب أن أفعله الآن؟ هل أنسى تلك الصفحات التي تعدّت المئة و أقنع نفسي بوجوب التوقف عن إكمالها؟ هل هذا ما يوجبه عليّ ديني؟بصراحة أنا متعلّقة بهذه الرواية، لأنها الطريقة التي تتيح لي الفرصة لأعرّف الناس بتلك الشخصيات الخياليّة في عقلي وأجعل لها مكانا في العالم، وهي السبيل لكي أعبر عن تلك المشاعر التي حرمت منها في حياتي.وأيضًا أحب بأن يحب الناس شخصياتي مثلما أحب الشخصيات التي أقرأ عنها.أخيرًا لدي طلب صغير وتعليق،الطلب: أرجو أن يكون الرد بلغة واضحة كي أفهمه بالشكل المطلوب وأتمنى أن لا يكون موجزا.التعليق: عندما أشاهد المسلسلات والأفلام الأجنبية أتأثر بالطريقة التي يعامل بها الآباء أبناءهم، ربما تكون غير حقيقية لكني أتمنى لو أن المسلمين يتعاملون بتلك الطريقة مع أبنائهم.أحس بأن العرب خصوصًا لا يعلمون ما معنى كلمة تربية! أنا مثلاً لا أجد من أشاطره أفكاري، أحاول أن أفعل ذلك مع والدتي لكنّي لا أجد الاهتمام المطلوب، دائمًا أرى شيوخ الدين على التلفاز يجيبون على أسئلة المشاهدين و لا أعلم لماذا ليس هناك سؤال واحد عن طريقة التربية المثلى؟لماذا لا يحاول الأهل التناقش مع الأبناء؟ لماذا لا نسمع السبب بعد أن نسمع كلمة حرام؟كثيرًا ما تدور في رأسي أفكار ولا أجد شخصا أكبر مني ذا خبرة أوسع أن يناقشني؟ أحس بأني منذ سن البلوغ حتى الآن أصارع وحدي الرغبة بفعل الحرام (مثل الأغاني أو الأفلام) أحاول أن أفهم نفسي بنفسي و لا أجد من يناقشني إلا من هم في عمري!أنا و صديقة لي قررنا مرة أن نذهب لطبيب نفسي بعد المدرسة دون علم أهلنا لكي نخبره عن أفكارنا و مشاعرنا، ربما يكون ذلك تفكير طفولي لكن لا يوجد ذلك الشخص الذي يعطي من يسمونهم ( المراهقين ) بعض وقته، يبذل ولو جهد قليل لمساعدتهم، أعرف بعض الفتيات ممن لهن علاقات خاطئة، ,أعتقد بأن جزءا من اللوم يجب أن يلقى على عاتق الأهل والمعلمين وكل من يدعي بأن "المراهقين" لا يعلمون ما يفعلون! فإذا كان ذلك ادعاءهم لماذا لا يتحملون جزءًا من المسؤولية؟! أتعجب لماذا ينفذ بعض الغربيين ما يجب أن ينفذه كل المسلمين!!!لماذا لا تهتم المدارس هنا في دولنا الإسلامية العربية بما هو أهم من الأنشطة السخيفة؟ حتى شيوخ الدين قليلاً ما أراهم يأتون على مدرستي!! أتمنى اهتماما أكبر بالفئة العمرية بين العاشرة والعشرين ؟
شكرًا على هذه الفرصة ..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بينا حكم كتابة الروايات والقصص الأدبية والخيالية وقصص الحب العذري وذكرنا أن حكمها الشرعي ينبي على مضمونها وقصد صاحبها ، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية : 47548 ، 25473 ، 13278 .

وننبهك إلى أن الإغراق في قصص أولئك القوم مضيعة للوقت وإهدار للطاقة ، ونتيجته الحتمية هي ما ذكرت من عشق لها وربما لأصحابها وهذا خطير جدا لأن المرء مع من أحب كما عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المرء مع من أحب . وفي رواية عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المرء مع من أحب . فقراءتك لقصص القوم أورثتك محبتهم ولا يجتمع حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم مع حب من يحادون الله ورسوله فقد قال تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ {المجادلة: 22 }

كما أن شغل الوقت جميعه بقراءة مثل ذلك والكتابة فيه لمجرد التفكه من الباطل المذموم شرعا .

وقد بينا ضوابط جواز تعلم الثقافة الغربية وخطورة الانبهار بها في الفتوى رقم: 46650 .

وننبهك إلى أن التربية لديهم لا ينبغي لعاقل أن يتخذها مثالا يحتذى، فهم وإن كانت لديهم بعض الجوانب الإيجابية في ذلك فسيئاتهم تغلب حسناتهم؛ لأنهم يهملون الجوانب الإيمانية والسلوكية لدى الطفل ولايربونه على احترام أبويه فينشأ مستقلا عنهما فلا سلطة لهما عليه، وفي الأغلب إنما يضعونه في دور التربية والرعاية فلا يعرفهم ولا يعرفونه، وهكذا فلا مجال للمقارنة بينهما وبين التربية الإسلامية المتكاملة في جميع جوانبها حيث تلحظ سلوك الطفل قبل التئام أبويه إلى أن يشب عن الطوق وذلك باختيار الزوجة الصالحة والمغرس الطيب الكريم ، ثم ما يلزم بعد ذلك من آداب وسنن تعيذه من الشيطان ونزغاته إلى أن يولد فيسمى بأحسن الأسماء وأجملها وأصدقها وهلم جرا... وأي معنى أعظم أو دلالة أبلغ في ذلك من جعل الإسلام تربية الأبناء ورعايتهم من الأمانة التي سيسأل عنها المرء يوم القيامة كما في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته . وخطأ بعض الآباء أو الأمهات أو البيئات لا ينبغي أن يعمم حتى يلام به مجتمع بأسره ، وينبغي تنبيه المخطئ إلى خطئه ومناصحته ولو كان أبا أو أما أو مدرسة أو غيرها لكن بالحكمة والموعظة الحسنة، ولمعرفة أهمية التربية في الإسلام انظري الفتاوى التالية : 13767 ، 17078 ، 16800 .

والذي ننصحك به أيتها الأخت الكريمة أن تقبلي على كتاب ربك وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة بدل ما أنت عليه، وانظري هل يسرك أن تبقى بعدك تلك القصص التي قد يكون من أهون مخاطرها وسيئاتها أن تشيع الفاحشة وتدعو إلى الحرام وتعظم أصحابها في نفوس نشء المسلمين وقد يكون فيها ماهو كذب وتلفيق ، وهذا كاف في تحريمها ولا يثقل عليك أن تُتْلفي ما أعددت منها فلك في الصحابة أسوة حسنة يوم حرمت عليهم الخمر فأراقوها حتى سالت منها أزقة المدينة ، هذا إذا تضمنت تلك القصص ما ذكرناه وهو الغالب فيها لكونه جزءا من حياة أصحابها وسبق التفصيل في الفتوى المحال إليها، وانظري إلى ما كتبت من أي تلك الأقسام .

وينبغي أن تسعي في دعوة زميلاتك إلى الله ونصحهن وتحذيرهن من الحرام، وابحثي عن رفقة صالحة تعينك على الالتزام وتذكرك بالله عز وجل، فالدعوة مسؤولية الجميع ليست لكبير عن صغير أو لذكر عن أنثى .

وأما سؤالك عن المدارس وغيرها لماذا لا تهتم وتولي التربية عناية بالغة عوض ما توليه الأنشطة التي قد لا تكون لها أهمية كبيرة، فهذا السؤال ينبغي أن يوجه إلى إدارات المدارس ومؤسسات التربية والتعليم ، فهم الذين يملكون الإجابة عليه ، وأما المشايخ وطلبة العلم فإن صدورهم مفتوحة وأبوابهم مشرعة لكل من أراد التعلم والسؤال عن أمر دينه وما هذا الموقع إلا مثال بسيط على ذلك ، وننبهك إلى أن من أقسامه قسم الاستشارات الدعوية والطبية إضافة إلى قسم الفتوى وغيره من الأقسام . والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني