الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بين قول الله (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) وحديث "فلم يزل الخلق ينقص.."

السؤال

فضيلة الشيخ كيف نجمع بين قول الله تعالى في الآية : وزادكم في الخلق بسطة في قصة عاد بعد قوم نوح ، وبين الحديث الذي يقول بأن الناس ما زلوا ينقصون منذ آدم عليه السلام ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل أن نبين أنه لا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف نذكر معنى كل منهما كما ذكره أهل العلم ، فمعنى البسطة في اللغة : القوة ، والوفرة ، والسعة في أمر من الأمور أو في شيء من الأشياء, وقد قال بعض المفسرين في معنى البسطة في الآية الكريمة هي طول الأجسام وقوتها؛ كما قال تعالى عن طالوت : وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ {البقرة: 247} أي زيادة في العلم, وطولا في القامة, وقوة في البدن .

قال ابن كثير : وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً {الأعراف: 69 } وذلك لأنهم كانوا غاية في قوة التركيب والقوة والبطش الشديد والطول المديد ، والأرزاق الدارة ، والأموال والجنات والأنهار والأبناء والزروع والثمار ، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله تعالى .

وقال ابن عاشور : فإن كان الخلق بمعنى المصدر فالبسطة الزيادة في القوة الجِبلِّية، أي زيادة في عقولهم وأجسامهم فخلقهم عقلاء أصحاء ، وقد اشتهر هذا عند العرب قديما فنسبوا رجاحة العقل وقوة الجسم إلى عاد ، وإن كان الخلق بمعنى الناس فالمعنى : وزادكم بسطة في الناس بأن جعلكم أفضل منهم فيما تتفاضل به الأمم من الأمور كلها، فيشمل ذلك رجحان العقول وقوة الأبدان وشدة البأس وكثرة الأولاد والأموال والعمران. اهـ ملخصا من التحرير والتنوير .

وأما الحديث فرواه البخاري ومسلم وغيرهما ولفظه : خلق الله آدم على صورته, طوله ستون ذراعا, فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع إلى ما يحيونك, فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن . قال الحافظ ابن حجر في الفتح : فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ، أي أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله ، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة ، واستقر الأمر على ذلك .

وقال ابن التين : فلم يزل الخلق ينقص : أي كما يزيد الشخص شيئا فشيئا ولا يتبين ذلك فيما بين الساعات والأيام القليلة حتى إذا كثرت تبين ذلك، فكذلك هذا الحكم في النقص .

وبناء على ما تقدم من معنى الآية الكريمة والحديث الشريف -كما ذكرها أهل العلم- فإنه لا تعارض بينهما لأن البسطة في الخلق تشمل قوة الأجسام والعقول بالنسبة للأفراد إذا كانت بمعنى المصدر، وتشمل تفوقهم على غيرهم من الأمم في كل شيء إذا كانت بمعنى الناس ، فأجسام أفرادهم أقوى من أجسام من يجاورهم من الأمم، ويمكن أن يكونوا أطول قامة كما أنهم أرجح عقول وأكثر أرزاقا .

وأما الحديث فيبين أن الناس لا يزالون ينقصون منذ خلق الله آدم طوله ستون ذراعا إلى أن انتهى التناقص إلى هذه الأمة فاستقر على ما هو عليه .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني