الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

رجل عنده الباسور، يخرج منه بلا اختياره، فيتوضأ بعد دخول الوقت ويصلي بهذا الوضوء ما شاء من الفرائض والنوافل، دخل إلى المسجد فوجد الإمام أميا، والرجل قارئ، قرر الرجل الدخول في الصف والتظاهر بالصلاة، ثم الصلاة بعد تلك الجماعة (التي لم يصلها) يصلي جماعة أخرى
السؤال هو: ذلك الرجل يعلم من نفسه أنه في أوضاع معينة (كالركوع والسجود) يخرج منه الباسور أكثر من الأوقات الأخرى. بل في بعض الأوقات لا يخرج إلا في تلك الأوضاع وهولا يتحكم في ذلك الخروج كما مر.
هل يجوز له أن يصلي مرة أخرى بالوضوء الأول بعد فعلته؟؟
كذلك هناك أوضاع معينة إن جلس فيها (في غير الصلاة) تساعد على خروج الباسور أكثر أو كذلك قد تخرجه ابتداء أو تزيد في الخروج الأصلي، هل تعمد جلوسها يضر ؟
وهل جلوسها لحاجة كلبس الحذاء أو المساعدة في حمل شيء أو تنظيف الأرض يضر؟
هو يخشى أنه بذلك الفعل يكون قد أبطل طهارته علما بأنه غير متحكم في خروج الباسور ولكن يظن لأن بعض الأوضاع (مع تكلف، أي ليس على حالته الطبيعية) قد تقلل من خروجه وأوضاع أخرى تزيد من الخروج
هل عليه أن يتكلف ذلك، علما بأنه وإن تكلف ذلك قد يخرج أيضا!
أم فقط عليه التوضؤ بعد دخول الوقت ويتصرف على طبيعته ويجلس في الأوضاع التي يريدها فضلا عن السؤال الأول المتعلق بما حدث له في المسجد، وإن علم زيادة الخروج بتلك الأوضاع.
أرجو الإجابة التفصيلية على السؤال فالأمر في غاية الأهمية، أخيراهل هناك من قال بعدم نقض الوضوء من خروج الباسور.
وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإنه من المعلوم أن الصلاة لا تصح إلا بنية كما أنه لا يصح اقتداء القارئ بالأمي، وعليه، فقد كان على هذا الرجل المذكور إذا وجد الإمام أميا أن ينتظر جماعة أخرى ليصلي معهم، فإن لم يأمل وجود جماعة صلى على حاله من غير أن يؤخر الصلاة بعد الوضوء، وما كان ينبغي له أن يتظاهر بالصلاة لأنه إما أن يكون لم ينو الصلاة وتابع أعمال الصلاة من غير نية وهذا قد يكون فيه تلاعب أيضا، والذي حصل من هذا العمل هو أن هذا التأخير الذي حصل قد يكون ناقضا للوضوء لأن وضوء صاحب السلس ينتقض بالتأخير إن كان فيما لا يتعلق بأمر الصلاة، فإن كان فيما يتعلق بها لم ينتقض وذلك مثل انتظار الجماعة والذهاب إلى المسجد ونحو ذلك.

قال النووي في المجموع: قال أصحابنا وينبغي أن تبادر بالصلاة عقيب طهارتها فإن أخرت ففيها أربعة أوجه: الصحيح منها أنها إن أخرت لاشتغالها بسبب من أسباب الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة والاجتهاد في القبلة والذهاب إلى المسجد الأعظم والسعي في تحصيل سترة تصلي إليها وانتظار الجماعة ونحو ذلك جاز، وإن أخرت بلا عذر بطلت طهارتها لتفريطها. انتهى.

وقوله ينبغي أن تبادر يعني المستحاضة ومعلوم أن صاحب السلس مثلها في هذا الحكم، لذا ينبغي للاخ السائل أن يعيد هذه الصلاة إذا كان قد صلاها بالوضوء الذي حصل فيه التأخير للخروج من الخلاف وللاحتياط للصلاة، هذا من جهة، أما عن نقض الوضوء بخروج الباسور فقد نص بعض الفقهاء على أن الوضوء ينتقض بمجرد خروج الباسور أوزيادته، ففي حاشيتي قليوبي وعميرة في الفقه الشافعي ما نصه: وينتقض خروج نفس الباسور أو زيادة خروجه وكذا مقعدة المزحور. انتهى.

ولكن مادام الرجل المذكور لا يتحكم في خروج الباسور ويتكرر عليه خروجه في غالب الأوقات فقد صار له حكم السلس. وقد سبق أن أوضحنا كيفية طهارة وصلاة صاحب الباسور في الفتوى رقم: 3028.

فإن كان يعلم وقتا يتوقف عنه فيه السلس بحيث يستطيع فعل الصلاة وجب عليه أن يؤخر له الصلاة ولو تأخر عن الجماعة ما لم يؤد ذلك إلى خروج الوقت وإلا توضأ وصلى، فإن لم يمكن شد محل الباسور وتوضأ وصلى على حاله إذ لا يستطيع غير ذلك، وإن كان يعلم وضعية تمنع خروج الباسور عليه أن يعملها في الصلاة كما إذا كان لا يخرج في الجلوس ويخرج في القيام فإنه يجلس ويصلي جالسا إلا أنه لا يترك الركوع ولا السجود ولو كان لا يخرج إلا فيهما، ففي دقائق أولي النهى ممزوجا بنص المنتهى في الفقه الحنبلي بعد أن ذكر أن صاحب السلس عند قيامه للصلاة عليه أن يغسل المحل ويعمل ما يمنع خروج الحدث من حشو بقطنة أو شد بخرقة حسب الإمكان. قال: فإن لم يمكن شده كباسور وناصور وجرح لا يمكن شده صلى على حسب حاله، إلى أن قال: وإن اعتيد انقطاعه أي الحدث الدائم زمنا يتسع للفعل أي الصلاة والطهارة لها تعين فعل المفروضة فيه لأنه قد أمكنه الإتيان بها على وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعين كمن لا عذر له، إلى أن قال: ومن تمتنع قراءته في الصلاة قائما لا قاعدا صلى قاعدا لأن القراءة لا بدل لها والقيام بدله القعود، وإن كان لو قام لم يحبسه وإن استلقى حبسه صلى قائما لأن المستلقي لا نظير له اختيارا، ومن لم يلحقه السلس إلا راكعا أو ساجدا ركع وسجد نصا، كالمكان النجس ولا يكفيه الإيماء. انتهى.

وفي غير الصلاة لا حرج على صاحب الباسور في أي جلسة يجلسها لكن لا يتعمد فعل ما قد يؤدي إلى خروج الحدث، أما ما لا بد له منه مثل الجلوس للبس الحذاء ونحوه فلا حرج عليه فيه ولو أدى ذلك إلى الخروج لأنه في حالة عذر وهذا مما لا بد منه، لذا فلو توضأ للصلاة بعد دخول وقتها ولم يتأخر ثم خرج السلس المصاب به لم تنتقض طهارته، كما أن خروجه أثناء الصلاة لا ينقض الطهارة ولا يبطل الصلاة، أما بالنسبة لصلاة أكثر من فرض بوضوء واحد في حالة السلس فعند الحنابلة يجوز لصاحب السلس أن يصلي بوضوئه أكثر من فرض ما دام الوقت باقيا كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 77591، ويرى الشافعية أن صاحب السلس ومن في حكمه لا يصلي بوضوئه أكثر من فرض واحد سواء في ذلك الحاضرة والفائتة كما سبق ذكره في الفتوى رقم:76540، وعند المالكية لا ينتقض الوضوء إلا بالخروج المعتاد على وجه الصحة والاعتياد، والباسور ليس من هذا القبيل، وعليه فلا ينتقض الوضوء عندهم بمجرد خروجه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني