الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كره البنات لأجل تبرج البعض منهن مسلك خاطئ

السؤال

أصبحت لا أحب البنات فهن سبب ضياع الشباب عن طريق الخروج من المنزل والتبرج كتبرج الجاهلية الأولى وهذا سبب في ضياع الأمة فما حكم من يكرههن بسبب مصائبهن وأذكرك بأن المتحجباتأصبحن يفعلن كالمتبرجات فلهذا أنا أكرههم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن من حكمة الله تعالى في خلق البشر أن جعلهم ذكوراً وإناثاً، وركب فيهم الغرائز والشهوات، وفطرهم على ذلك. قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) [الحجرات: 13].
وقال تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب) [آل عمران: 14].
ومن المعلوم - قطعاً - أن الخلق جميعاً مختلفون في الطباع والأخلاق والاستقامة، كاختلافهم في ألوانهم وألسنتهم، ومن كان منهم على صفة من الصفات، فإنه يكون على درجة متفاوتة مع غيره ممن يتصف بمثل هذه الصفة، أو نقيضها.
فالصالح متفاوت في صلاحه، وكذا الفاسد متفاوت في فساده.
والفساد وردائ الأخلاق المرجع الأساس فيه إلى تأثر الشخص بالمجتمع، وبيئته التي نشأ فيها، مع ميل فطري في الإنسان إلى التفلت.
فمن منَّ الله تعالى عليه بالهداية والاستقامة، وأرشده إلى طريق الخير والفلاح، ورأى غيره يتخبط في الغواية، ويكون سبباً لإضلال غيره من الناس، فلا ينبغي أن يكون موقف الصالح منه هو موقف الناقم على العاصي الكاره له في شخصه، مما قد يحمله على التعميم على بني جنسه، بل يكون موقفه موقف الداعية الهادي المرشد غيره إلى الخير الذي يكره المعصية ويبغضها، وفي الوقت نفسه ينظر إلى فاعلها بعين الرحمة والشفقة، فقد يكون فيه من الخير الشيء الكثير، ولكنه يحتاج إلى من يبصره بعيوبه.
وفي مصنف عبد الرزاق عن محمد بن يعقوب قال: قال عيسى بن مريم: "لا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم، فإنما الناس رجلان: مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية".
والعافية هي: عافية الدين والخلق والبدن، كما أن البلاء هو بلاء البدن والمعصية.
ولا تعدم أبداً أن تكون من الفتيات ملتزمات قانتات متقيات لله تعالى، بل هنَّ كثير والحمد لله، ولكن قلة خروجهن - كما أمرهن الشرع بذلك - يخيل إليك أن المتبرجات السافرات أكثر، والذنب ليس ذنبهن وحدهن، بل هن أضعف حلقة في المجتمع، فالعتب يكون على من زين لهن الخروج من باب أولى، إذن فمبدأ التعميم الذي يصاب به بعض الناس عندما يرى كثرة الفساد مبدأ غير سليم.
ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك - مسلك التعميم - فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" رواه مسلم.
قال أبو إسحاق: لا أدري أهلكهم بالنصب، أو أهلكهم بالرفع؟ (أي: فتح كاف أهلكهم، أو ضمها)، فأهلكهم بالفتح: أي يكون هو سبب هلاكهم بكلمته تلك، لأن منبعها السخط والقنوط واليأس من صلاحهم، فيترك واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهلكهم بالرفع: أي يكون هو أكثرهم هلاكاً، لأن منبى ذلك على العجب، وعلى كلا القراءتين فمبدأ التعميم مرفوض مذموم شرعاً.
قال مالك في هذا الحديث: إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس، يعني في أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه، وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي ينهى عنه.
وإذا كان منبع ذلك الحزن الذي وصل إليه أرباب المعاصي، فالواجب عليه أن يسعى في إزالة أسباب هذا الحزن بالنصح والإرشاد والتغيير إلى الأصلح في محيطه قدر استطاعته، وبكل وسيلة مشروعة متاحة، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التفلت والفساد، ومن ثم معالجته بحكمة. قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني